تهافتت أحزاب مغربية عدة أخيراً من أجل ضم عشرات السلفيين إلى صفوفها وترشيح بعضهم للانتخابات البرلمانية المقررة في السابع من أكتوبر الجاري، في عودة لافتة لهؤلاء إلى اللعبة السياسية وفق مسار سياسي باشره القصر الملكي منذ سنوات.

ولا يتجاوز عدد السلفيين المرشحين لخوض السباق العشرات من أصل نحو سبعة آلاف مرشح.

Ad

وكان ترشيح حزب "العدالة والتنمية" (المقرب من تيار إخوان المغرب) الذي يقود التحالف الحكومي للشيخ حماد القباج في أرقى أحياء مراكش، الوجهة السياحية الأولى في المملكة، وعدم قبول وزارة الداخلية لترشحه بتهمة "التطرف"، الأكثر إثارة للجدل.

ورغم أن القباج لم يتعرض للتوقيف أو السجن بتهمة "الإرهاب" كما هو حال عدد من السلفيين المرشحين اليوم، تم رفض طلبه الترشح ما دفعه إلى اللجوء للقضاء. وكان حاضرا بقوة في حملة "العدالة والتنمية" بمدينة مراكش، وقدم أتباعه الدعم للحزب الإسلامي خلال حملته الانتخابية مجانا.

ومن الوجوه السلفية المعروفة المرشحة عبدالهاب رفيقي المعروف بـ"أبو حفص"، وهو سلفي حكم بـ30 سنة سجنا خفضت إلى 25 سنة، إثر تفجيرات 16 مايو 2003 بمدينة الدار البيضاء التي أودت بحياة 45 شخصا بينهم 12 انتحاريا.

وتم الإفراج عنه في 2012 بموجب عفو ملكي في خضم الحراك الشعبي الذي قادته حركة "20 فبراير" الاحتجاجية في المغرب، وهو اليوم مرشح باسم حزب "الاستقلال" المحافظ، أحد أقدم الأحزاب الوطنية في المغرب والمعارض للحكومة.

ولجأ حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يقدم نفسه على أنه ليبرالي اجتماعي معارض للإسلاميين، إلى ترشيح سلفيين، رغم أنه يرفض بشكل قاطع التحالف مع إسلاميي الحكومة باعتبارهم "ظلاميين ويشجعون على التطرف".

وحسب تقارير محلية، فقد حصل تقارب بين "الأصالة والمعاصرة" والشيخ محمد المغراوي الذي عرف قبل سنوات بفتوى "جواز الزواج ببنت السنوات التسع"، وأغلقت السلطات المغربية شبكة المدارس القرآنية التي كان يشرف عليها في المملكة لـ"شبهة نشر التطرف".

وكشف الإعلام المحلي أن بعض دور القرآن أعيد فتحها على أساس دعم أتباعه انتخابيا لحزب "الأصالة والمعاصرة"، الأمر الذي نفاه الناطق الرسمي باسم الحزب في بيان أمس.

وعلى غرار أبي حفص، فقد صدرت في الماضي أحكام على عدد من السلفيين المرشحين للانتخابات بموجب قانون الإرهاب في المغرب. ولم تقبل السلطات معظم طلبات الترشيح، إما لعدم الأهلية بعد الخروج من السجن، وإما لاعتبارات سياسية وانتخابية مثل حالة القباج.

وتحاول الأحزاب المغربية الكبرى عبر جذب السلفيين، الفوز بصوت أكبر عدد من الناخبين المغاربة في مجتمع محافظ يتأثر كثيرا بالخطاب الديني، لكن أسبوعية "تيل كيل" الفرنسية تعتبر الظاهرة "محاولة للإدماج أكثر منها موجة ترشيحات" لكسب الأصوات.

وتعود السلفية المغربية إلى بداية القرن الماضي عندما ساهمت في مقاومة الاستعمار وتأسيس الأحزاب الوطنية خلال فترة الاستقلال.

وخلال الحرب الأفغانية ضد السوفيات بين الثمانينيات والتسعينيات، سافر المئات من المغاربة الى افغانستان للمشاركة في الجهاد، ما أدى إلى اعتقال عدد كبير منهم بعد تفجيرات 16 مايو 2003.

وبضغط من الشارع وخلال الحركة الاحتجاجية التي حصلت في ظل انتفاضات "الربيع العربي"، صدر عفو ملكي أسفر عن إطلاق السلفيين المسجونين على أساس نبذ العنف و"البيعة لأمير المؤمنين" الملك محمد السادس. وكان بين مطالب حركة 20 فبراير "إطلاق سراح المعتقلين السياسيين".

واعتبرت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي للابحاث الأميركي أن العفو الملكي عن عدد من السلفيين "يشهد على تحسن العلاقة بين النظام وعدد من قادة السلفية، ويعكس مراجعة الحكومة جزئيا لمقاربتها في محاربة التطرف".

وتقوم هذه المقاربة على "تعزيز الإسلام المغربي الصوفي والطرق الصوفية المرتبطة به كثقل موازن" ضد التطرف، لكن المجموعات الصوفية، مثل "البودشيشية"، وهي الأكبر في المملكة، "ليست مسيسة وأظهرت أنها غير قادرة، بالرغم من دعم الدولة، على خلق تيار اجتماعي ديني قوي بما يكفي ليكون بديلا عن السلفية، خصوصا في نسختها الجهادية".

ويظل الهدف الاستراتيجي، بحسب مراكز الأبحاث، "تشتيت أصوات الناخبين الإسلاميين خلال الانتخابات البرلمانية في محاولة لامتصاص تنامي شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي"، في ممارسة يراها البعض "لعبا بالنار"، بينما يقول البعض الآخر إنها "ببساطة ممارسة السياسة".