غريب أن يكون هناك كل هذا الصمت العربي على مستوى الشعوب قبل الأنظمة إزاء كل هذه المذابح والمجازر، التي يرتكبها الروس والإيرانيون ومعهم بالطبع باقي ما تبقى من جيش ومرتزقة بشار الأسد، في مدينة حلب التي هي العاصمة الثانية لسورية، والتي كانت ذات يوم بعيد الشهادة الحية على أنه غير صحيح أن العرب مجرد رعاة إبل وأغنام، بل إنهم في مقدمة رواد الحضارة الإنسانية في العالم بأسره، وإنهم أيضاً عندما يُفرض القتال عليهم يبدون شجاعة شاهدها سيف الدولة الحمداني وسليمان الحلبي وذوو السيوف اللامعة الذين بقوا يحمون خاصرة الأمة من الجهة الشمالية.

باستثناء مجموعات صغيرة جابت شوارع بيروت بعيداً عن الدائرة الاستخبارية للضاحية الجنوبية للتنديد بذبح حلب من الوريد إلى الوريد بأصوات خافتة خوفاً من رصاص ومتفجرات حسن نصر الله الذي كان قال إنه يشرفه أن يكون مقاتلاً في فيلق "الولي الفقيه" فإن الصمت ظل يلف الوطن العربي كله، وكأن هذه المدينة التي تهْرسها قاصفات السوخوي الروسية هرساً ليست عربية، وكأن الأطفال الذين تمزق أجسادهم الطرية شظايا القنابل الانشطارية ليسوا عرباً، وكأن ما يجري في هذه المدينة التي كانت عنواناً للأبعاد الحضارية التي وصلت إليها هذه الأمة يجري في بلاد "الواق الواق" أو في آخر نقطة في الكرة الأرضية.

Ad

إنه غير مطلوب أن يكون هناك "متطوعون" للقتال ولا زحف مقدس ولا تبرعات سخية لتطرد المسغبة والعطش والجوع عن أطفال حلب الذين من المفترض أنهم أطفال كل عربي ومن الخليج إلى المحيط... إن المطلوب أن يسمع الروس والإيرانيون ومن يقاتل إلى جانبهم من شراذم مذهبية وطائفية حاقدة صرخات شوارع المدن العربية بأن "لا" و"كفى" والموت للغزاة والمعتدين الذين جاءوا من خلف الحدود البعيدة لتدمير سورية وذبح أهلها و"تبقير" بطون أطفالها وإخراجها من الدائرة العربية.

وهنا فإن السؤال موجه للإخوان المسلمين في كل أماكن وجودهم: لماذا تلوذون أنتم أيضاً بكل هذا الصمت المريب والغريب، وذلك إذا كان دعاة "تحالف الأقليات" وباقي ما تبقى من الخلايا "الماركسية" يرفعون الصوت عالياً وبدون خجل لا من أنفسهم ولا من أطفال حلب الذين تمزق أجسادهم قنابل طائرات "السوخوي" الروسية...؟ لماذا لم نسمع منكم إلا همهمات خافتة، وذلك حتى في البلدان التي لكم فيها أحزاب حاكمة تتحدث باسمكم وترفع شعاراتكم...؟!

إنه معروف أن "حماس" محمود الزهار لا تستطيع أن "ترفع عينها" في وجه إيران، والمثل يقول "اطعم الفم تستحي العين"... لكن ماذا عنكم أنتم؟ هل أنتم سعداء برؤية حراس الثورة الإيرانية وهم "يتمرجلون" على أطفال حلب، ورؤية قذائف الشراذم الطائفية وهي تنهال على المسجد الأموي في "الشهباء"، التي كانت ذات يوم بعيد القلعة المتقدمة على الجبهة الشمالية للأمة العربية... وأيضاً للأمة الإسلامية؟!

أليس غريباً ومستغرباً كل هذا الصمت المريب إزاء ما يفعله الروس في سورية، قلب العروبة النابض حقاً، بينما لو أن أميركياً اضطر لـ"عطسة" قوية في إحدى عواصمنا لقامت الدنيا في هذا الوطن الكبير ولما قعدت، ولانطلق إخواننا "الإخوان" بالصيحات المدوية في كل المدن والعواصم العربية... إن هذا ليس دفاعاً عن الأميركيين الذين لنا معهم ثارات قديمة وجديدة... إنه مجرد ملاحظة واستغراب لكل هذا الصمت "الإخواني" تجاه المجازر التي يرتكبها الروس في دولة عربية وإسلامية... وتجاه ما يفعلونه في مدينة حلب الشهباء التي حولوها إلى ركام وإلى أكوام أتربة!