الأمل يشعل قنديلاً رغم الظلمة، واليأس يطفئ شمساً في النهار!

الأمل لا يغيِّر في طبيعة النفق المظلم، ولا في جداريته حالكة السواد التي تلتهم الأبصار، لكنه يضع العين على مخارج ومنافذ مختبئة يصعب أو قد يستحيل رؤيتها من دونه.

Ad

له فعل سحري هذا الأمل، حتى لو لم يتجسد. إنه يهيئ الروح بمباركة منا للفرح الذي سيأتي حتماً، فنجهز الأنفس كما تُجهز البيوت للأعياد، حيث تصبح نظيفة مليئة بالحلوى والبخور والنور، وكذلك تصبح الأنفس ما دامت حاملة قنديل الأمل، حتى إذا ما ملّت حمله لطول انتظارها، زوّر البعض اسمه وجنسه وسموّه غيظاً: "خيبة أمل"!

والحقيقة التي "أهوى"، هي ان كان هناك ثمة "خيبة أمل"، فهي خيبة أمل الأمل ذاته فيمن سمّوه كذلك، إذ اتضح له أنهم "أجحد" مما كان يتمنى، وأحمق مما كان يظن.

جحدوا أنهم طوال حملهم له كانت نفوسهم كبيوت العيد، وثياب قلوبهم بيضاء، وكأنما نسجت خيوطها من رائحة البخور والطيب، وجحدوا أنهم طوال تلك المدة كانوا على صلح مع الحياة ما استطاعوا لذلك سبيلا، رغم أن الحياة لم تغيِّر من طبعها شيئا، ولكم ظنوا أحياناً أن الحياة قد صالحتهم بفضل منها، بينما كان ذلك بفضل من إيمانهم به، وجحدوا أن فرشاته هي من زخرف لون الحياة الرمادي في أعينهم كل ذلك الوقت.

كان الأمل على أمل أن يملك هؤلاء القدر الكافي من الإنسانية المحبة للحياة، ليكتشفوا طعمها حينما يتعلق المرء بأمل في الحياة، حتى وإن كان صغيرا لا يعني سواه، وكيف تصبح الروح خفيفة كجناح فراشة، على اتساع الأرض واختلاف تضاريسها وأجوائها، ينتقي جناح الفراشة الزهر.

إن الأمل كالقيم الكبرى ليس وسيلة في الحياة، إنما وسيلة للحياة، إنه ليس مجرد جسر لقطف ثمرة من شجرة الحياة، لكنه جسر للحياة ذاتها، لجوهرها، لمعناها، لمعرفة كيف توزّع هداياها!

الذين اتخذوا الأمل جسراً لقطف ثمار الشجرة انتظروا سقوط المطر عندما توقفت الشجرة عن الثمر، والذين عرفوا سر الشجرة زرعوا شجرة أخرى.

خيبة أمل الأمل في أولئك الذين أرادوا الثمرة ليست في الجحود، إنما في الحماقة أيضاً، إذ كيف يختارون اليأس؟! ويتساءل أتلك نكاية فيه أم نكاية في أنفسهم؟! من ذا يحطب شجرة حينما لا يجد ثمرة وتعمى عينه في لحظة عن كل الثمر؟! اليأس عادة ما ينتهز اللحظة التي لا يجد المرء ثمرته في الشجرة، فيغطي بعباءته كل الثمر، فلا يعود المرء يرى، يبلغ اليأس من "النذالة" إذا ما تمكّن حداً قاتلاً، فكيف يختاره المرء دربا في الحياة؟! كيف يستبدل عربة الأمل في الحياة بقطار سريع نحو الهلاك.

ليس الأمل نادما على موت أولئك في الحياة، بقدر ضيقه من جثثهم التي تعيق المارّة.

من يفقد أملاً عليه أن يجد أملاً قبل أن يستعيد وعيه.