نقاش غير موضوعي حول «الإسلاموفوبيا»

نشر في 06-10-2016
آخر تحديث 06-10-2016 | 00:05
 خليل علي حيدر لا أكاد أصدق أن د. سعيد اللاوندي، الذي يزيد عمره على الستين عاماً، والذي يحمل دكتوراه الفلسفة السياسية من السوربون بفرنسا إلى جانب شهادات عديدة أخرى، والذي كتب الكثير من المقالات في الأهرام، وأسس المركز المصري لحوار الثقافات في باريس منذ نحو ربع قرن أن يحاضر في الجمهور الكويتي بهذه السطحية والانحياز وضعف الأداء!

ففي الحلقة النقاشية التي أقيمت في المكتبة الوطنية حول "الإسلاموفوبيا: جذور الظاهرة وسبل التجاوز"، الثلاثاء، 27/ 9/ 2016، ترك د. سعيد اللاوندي المعالجة الأكاديمية الموضوعية المتوازنة لموضع المحاضرة، وغاص في حديث متحامل وتهجم متواصل واتهامات متوالية للغرب! وكان حديثه شعبوياً "إعلامياً"، بعيداً عن النظرة العلمية الفاحصة للظاهرة، المحللة لمسؤولية المجتمعات الغربية والأقليات الإسلامية في فرنسا وألمانيا وهولندا وكل أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وكندا، فخاب أمل كل من تجشم عناء الحضور والاستماع، والذي كان سيستفيد أكثر من وقته لو جلس إلى التلفاز أو قرأ كتاباً أو عرج على وسائل التواصل الاجتماعي في الإنترنت، وبدلا من توجيه بعض اللوم أو شيء من التحذير إلى العرب المسلمين المشاركين في النشاطات الإرهابية وأعمال التفجير المتوالية في عواصم الغرب التي أساءت إلى المسلمين والعرب أشد الإساءة، ودمرت سمعتهم ومصالحهم، ترك هذا كله إلى حديث عاطفي انتقائي منحاز، لا يليق إطلاقاً بمؤهلاته وشهاداته وتجاربه. وقد تحدثت معه بعد انتهاء المحاضرة، وذكرت له مثلاً موقف ألمانيا من المهاجرين السوريين والأفغان وأمثلة أخرى، فقال بكل استعلاء إنهم يفعلونها لمصالحهم الغربية البحتة! فتركته في بحر تعصباته وتحامله ومشيت عنه!

الغرب في حديث د. اللاوندي أنه اعتبر جمهور المحاضرة في مكتبة الكويت الوطنية "منبهراً بالغرب كما كان جيل الأديب د. طه حسين"، ويعلم الجميع أن "الغرب" ليس دولة واحدة ولا تجربة واحدة ولا سياسة واحدة، وأنه قارة ومجموعة دول ومواقف، وأنه ليس نورا كله ولا ظلاما، ولا حقّاً ولا باطلاً.

ولكن د. سعيد اللاوندي الذي بدا واقعا بشكل كامل تحت النفوذ الفكري للإسلاميين وربما الإخوان، والذي بدا كما لو كان يعاني داء الـ"غرب فوبيا"، والذي كان يتحدث كمن اعتاد إلى جمهور شعبي متحامل لا يعرف كل التفاصيل، ولا يريد أن يحمل نفسه أو ثقافته أي مسؤولية، والذي يريد كل الدنيا في خدمته ومتقبلة لعاداته وتقاليده وعقائده، دون أن يفكر بمشاعر الآخرين وثقافتهم ورغباتهم!

حديث الدكتور اللاوندي الصاخب الطويل عن "الإسلاموفوبيا"، أي معاداة المسلمين وكراهيتهم والنفور منهم، إن كان صحيحاً، لم يرافقه، كما توقعنا، شرح لبروز الظاهرة وانتشارها في السنوات الأخيرة، فقد رحب الأوروبيون بالمسلمين في عواصم عديدة، وسمحوا لهم ببناء المساجد والأذان والحجاب والنقاب والذبح الحلال، ومنحهم جوازات السفر والجنسية، وأغدقوا عليهم المال والأملاك والعقار، وصار الكثير منهم من ذوي الحيثية وكبار التجار، وغدت لندن وباريس وجنيف ومدن أميركا وكندا من مراكز الإخوان المسلمين والسلف والجمعيات الشيعية والسنية على حد سواء.

ولم يكتف الأوروبيون بفتح مجتمعهم ومدارسهم وجامعاتهم ومصانعهم ومكاتبهم للعرب والإيرانيين والباكستانيين ومسلمي السنغال وكينيا فحسب، بل دخل الكثير من الأوروبيين الدين الإسلامي رجالا ونساء... بعشرات الآلاف! وامتلأت عواصم الغرب ومدنه بالمكتبات والكتب والمجلات والمحطات الإسلامية، من كل حزب وجماعة ومذهب.

ولم يشتك المسلمون لفترة طويلة مما أسموه لاحقا بـ"الإسلاموفوبيا" أو رهاب الإسلام، فلماذا برزت هذه الظاهرة؟ ومن المسؤول عن نفور الغربيين من العرب والمسلمين؟ ومن الذي يتحمل المسؤولية الدينية والتاريخية والثقافية عن بروز الظاهرة؟ وأي الأحزاب والجماعات من الإسلاميين مسؤول عن تكفير المسيحيين وبث الكراهية والنفور ضد "النصارى" و"الكنائس" وعموم "الكفار"؟ ثم كم من المسلمين قتل أو طرد بسبب هذه "الإسلاموفوبيا"؟

هل يريد د. سعيد اللاوندي أن ننعش ذاكرته في هذا المجال، وأن نذكره بما يعرفه الجميع، ويحاول الأستاذ الموقر أن يتجنب الإشارة إليه لمصالح نجهلها؟

ألا يستحق هذا الدور السلبي للتعصب والتشدد والتطرف الإسلامي بعض اللوم والتقريع على الأقل؟ أما كان يستحق هذا الدور شيئا من مقالات ومؤلفات د. اللاوندي التي رصع بأسمائها صفحة التعريف به في موسوعة ويكيبيديا بالإنترنت؟

وأشار المحاضر مثلا بكل فخر إلى اعتناق آلاف الألمان والفرنسيين والإنكليز والهولنديين رجالا ونساء الإسلام، وخروجهم من المسيحية إلى نور الإسلام، دون ضجة كبيرة، ودون أن يسجن رجل أو تطلق امرأة، ودون أن يفقد أي فرنسي وظيفته ومصدر دخله أو يفقد أي إنكليزي رأسه. ولم يرَ د. سعيد اللاوندي في ثقافة الحرية الدينية هذه وتسامح أوروبا وشعوبها مع هذا التحول، وعدم اعتبارها "ردة" عن المسيحية، شيئا يستحق التعليق والإشادة، مقارنة بما يلاقيه أي مثقف عربي أو كاتب إسلامي، حتى مثل د. طه حسين، عندما يفكر بشكل مختلف أو يحاول تحليل التاريخ الإسلامي يمقاييس أخرى، أو يعلن توصله كمفكر إلى آراء ومواقف لا تعجب الآخرين، دع عنك أن يعلن اختيار دين آخر!

ولم ير د. اللاوندي في مطالب صحف الإسلاميين العرب وغيرهم بإغلاق الكنائس ومنع بناء المعابد، والتدخل في الحريات الدينية لغير المسلمين، بل في ما حدث ولا يزال للمسيحيين في العراق، وقطع رقاب الأقباط في ليبيا، وسبي نساء الأيزيديين، ما يستحق الإشارة، مقارنة بما يلاقيه المسلمون في باريس وبرلين ولندن ونيويورك من "اضطهاد" و"تمييز" وإسلاموفوبيا!

ولماذا لم يتوقف د. اللاوندي عند آلاف المسلمين والمسلمات الذين يعيشون في الغرب بسلام واحترام، ويخدمون في مختلف المجالات ويندمجون كل الاندماج في مجتمعاتهم، وكيف تقدرهم الأوساط العلمية والإدارية والعسكرية والاقتصادية، وكيف تعيش أسرهم في سعادة ورفاهية حتى أفسدت حياة بعضهم نشاطات الإسلام السياسي وجماعاته وتنظيماته وشعاراته وسممت الأجواء.

لقد هيأت أوروبا للدكتور اللاوندي مثلا سبل الإقامة والدراسة والإنتاج العلمي والإعلامي منذ أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة، ولو كانت الحياة في باريس جحيما من "الإسلاموفوبيا" المزعومة لما أطال الأستاذ المكث فيها ولسارع إلى العمل أو الهجرة إلى بعض الدول العربية أو الإسلامية البسيطة والفقيرة يعمل فيها بهمة ونشاط ويبني شبابه من أولى البدايات، ولما احتاج إلى بناء "المركز المصري لحوار الثقافات في باريس" الذي أسسه عام 1992 ولرفض كل التسهيلات وكل الأبواب المفتوحة في الغرب، ثم إننا نحثُّ المسلمين والعرب عادة على الدفاع عن دينهم وثقافتهم وقيمهم وعقائدهم، ونعتبر هذا من مسلتزمات الدفاع عن الهوية العربية والإسلامية والذود عن العقيدة والكرامة، ونحث العرب والمسلمين في دول الغرب على عدم الذوبان في ثقافة أوروبا ومجتمع أميركا، ونحذرهم كل التحذير من التغرب، في حين نحن في المقابل، نزرع في إعلامنا ومناهجنا الدراسية وثقافتنا كل أنواع الشكوك في الآخرين، ونحذر من كل الأقليات واتباع الأديان والمذاهب، ولا تمنح الدول العربية والإسلامية، حتى الثرية منها، فرص العمل والهجرة للآخرين، وتحرم قوانينها كما في الكويت مثلا، منح الجنسية لأي مسيحي. ونجد رغم هذا كله المجال والجرأة لنهاجم "عنصرية الغرب" والتمييز ضد الآخرين.. والإسلاموفوبيا!

ألا تعاني مجتمعاتنا الإسلامية حقا من فوبيا ضد كل الأديان؟ ألا نعاني حساسية ضد أي مكتبة تبيع "الكتاب المقدس" أو ننكمش حتى لرؤية الصليب؟ فلماذا نتألم من أي مجتمع أوروبي يخاف فيه الناس على قيمهم وعلى علمانيتهم وعلى حرياتهم الدينية والسياسية؟ ثم إننا دولا ومجتمعات نكافح التعصب الديني كما نقول، ونعارض جماعات الإسلام السياسي، ونطارد المجموعات الإرهابية التي تحمل أسماء وملامح إسلامية، فلماذا نغضب ونصخب وننفعل عندما يبدي الفرنسيون والإنكليز والألمان والإيطاليون والأميركيون والروس المشاعر نفسها؟

متى نستطيع في العالمين العربي والإسلامي، أن نعلن بصدق وصراحة أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وثقافته؟

ملاحظة ختامية

شارك في الحلقة النقاشية والمحاضرة كل من د. ديل إيكلمان من الجامعة الأميركية في الكويت، وأ. د. يعقوب الكندري أستاذ الأنثروبولوجيا والاجتماع وصاحب الكثير من الدراسات القيمة في هذا المجال، وقد تولى د. علي الزعبي أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت تقديم المحاضرين ضمن أنشطة احتفالية الكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت عاصمة الثقافة الإسلامية 2016 واحتفالا بيوم السلام العالمي، فللجميع الشكر والتقدير.

back to top