ترامب والصحافة... صراع مميت

نشر في 06-10-2016
آخر تحديث 06-10-2016 | 00:00
 أميركان كونسرفاتيف أعلم دونالد ترامب الصحافيين أنه سيتناول مسألة "ميلاد أوباما" في حفل افتتاح فندقه الجديد The Donald، بعدما أخذهم في جولة طوال ساعة أطلعهم خلالها على الثناء الذي ناله من حاملي ميدالية شرف، ووفى بوعده.

وقال: "أطلقت هيلاري كلينتون في حملتها عام 2008 الجدال حول ميلاد أوباما وأنا أنهيته... وُلد أوباما في الولايات المتحدة وانتهى الأمر".

جن جنون الصحافة، فجاء في العنوان الرئيس فوق هذا الخبر في صحيفة "نيويورك تايمز": "أقر ترامب بكذبه إلا أنه لم يتُب"، كذلك نعت مقالها الافتتاحي دونالد ترامب بـ"المتنمر المتهور والساخر" الذي ينشر السموم خلال "حملة رئاسية عبثية"، مضيفاً أن ترامب "المخادع الأكبر" استخدم "كذبة كبيرة جعلته محبوب المجانين والعنصريين في حزبه"، فضلاً عن "مهووسي مسألة الولادة".

لا شك أنك تدرك الفكرة العامة. صحيح أن وصف ترامب لحركة "ميلاد أوباما" المثيرة للجدل لم يكن دقيقاً، إلا أنه حمل شيئاً من الحقيقة، إذ اتهمت حملة أوباما حملة كلينتون بلفت انتباه الصحافة إلى تلك الصورة التي يرتدي فيها أوباما الزي التقليدي الصومالي، ويبدو أن سيد بلومنثال حض أحد مديري مكتب ماكلاتشي على البحث عن سجلات ولادة أوباما في كينيا.

ولكن لا يسعك إلا أن تتساءل: هل تدرك وسائل الإعلام أنها، في تصميمها الذي يبلغ حد الهوس في القضاء على ترامب، تقوّض مصداقيتها؟ وفيما تفقد مصداقيتها تخسر بلدها.

يشير استطلاع جديد للرأي أجراه معهد غالوب إلى أن انعدام الثقة بالصحافة بلغ حدا غير مسبوق، فما زال نصف الديمقراطيين في الأمة يثقون بوسائل الإعلام، إلا أن واحداً من كل ثلاثة مستقلين وواحداً من كل سبعة جمهوريين (14%) يعتقدون أن وسائل الإعلام عادلة، وصادقة، وأمينة.

في مطلع عهده الرئاسي، دعا أوباما مازحاً عشاء جمعية مراسلي البيت الأبيض قاعدته السياسية. لكن الأميركيين يعتقدون اليوم أنه ما كان يبالغ.

ولكن كلما تمادت وسائل الإعلام في التعبير عن كرهها لترامب فرح داعمو هذا المرشح بانزعاجها، وذكر مؤيدو غروفر كليفلاند عام 1884: "نحبه خصوصاً بسبب الأعداء الذين صنعهم"، ويعرب داعمو ترامب عن المشاعر عينها تجاه وسائل الإعلام الوطنية.

ماذا يكشف هذا الواقع عن قدرة وسائل الإعلام على الإقناع؟ وماذا يُظهر عن فكرة أن الاقتراع العمومي يشكّل الطريقة الفضلى لتحديد قيادة جمهورية؟

في عام 2016، تواجه الولايات المتحدة مشاكل خطيرة: تنامي العجز وتفاقم الدين، والزيادة الكبيرة في المخصصات، ونهوض القوة الروسية، والميل التوسعي العسكري الصيني في بحار الجنوب وشرق الصين، وتطوير كوريا الشمالية صواريخ نووية، وأفغانستان.لنتأمل الآن المسائل التي صبت عليها وسائل الإعلام كل اهتمامها خلال موسم الانتخابات الحالي:

مسألة "ميلاد أوباما"، وديفيد ديوك، وكو كلوكس كلان، وقاضٍ أميركي-مكسيكي، وحركة "حياة السود مهمة"، ورجال الشرطة البيض، و"الحظر الإسلامي"، وعلَم الحرب، و"البديل اليميني"، والنشيد الوطني، ورفض ترامب التراجع عن تجديفه بحق عقائد الصواب السياسي أو "تقديمه الاعتذار".

لا شك أن الولايات المتحدة منقسمة أشد انقسام بشأن مسائل العرق، والإيمان العقائدي، والتاريخ، والثقافة، ويرفض نصف الأمة الذي يدعم ترامب الأفكار العصرية التي تعتبر أن تنوع الولايات المتحدة وتعددها الثقافي من أعظم كنوزها.

في المقابل، يريد النصف المؤيد لترامب حدوداً آمنة، و"اختياراً دقيقاً وصارماً" للمهاجرين، وخصوصاً القادمين من الشرق الأوسط، وسياسات خارجية وتجارية تتسم "بطابع أميركي" يبدو نقيضاً للعولمة.

يريدون أن تعود الولايات المتحدة "عظيمة مجدداً"، ويعتقدون أنها كانت عظيمة سابقاً، إلا أنها لم تعد كذلك.

ولكن بغض النظر عن هوية الفائز في شهر نوفمبر، ستعاني الولايات المتحدة شرخاً لم نرَ مثيلاً له منذ عقود، وإن انتصر ترامب فسيواجه وسائل إعلام وطنية تكن له كرهاً يفوق ما واجهه ريتشارد نيكسون عام 1968.

أما إذا فازت هيلاري كلينتون، فستشغل هذا المنصب، مع أن معظم مواطني بلدها لا يصدقونها أو يثقون بها، وخصوصاً بعد أن وصفت نصفهم بـ"البائسين" أو بالأرواح التعيسة التي تحتاج إلى التعاطف.

نتيجة لذلك لم تبدُ فكرة "أمة واحدة موحدة تحت رعاية الله" أكثر بعداً خلال نصف القرن الماضي.

* باتريك بوشانان | Patrick J. Buchanan

back to top