بإعلان المجتمعين من الدول المصدرة للنفط في الجزائر الأسبوع الماضي التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاج «أوبك» في سوق النفط بما يعادل 740 ألف برميل يوميا، تكون «أوبك» قد تخلت عن سياسة «عناد السوق» الذي تمسكت به لما يقارب 27 شهرا من دون أن تحقق سوى أهداف محدودة منذ يونيو 2014.

فخلال هذه الفترة لم تنجح «أوبك» في تحقيق أي من الهدفين الرئيسيين اللذين حاولت تحقيقهما، وهما التخلص من فائض المعروض النفطي في السوق وإزاحة المنتجين غير التقليديين «النفط الصخري».

Ad

مقاومة «الصخري»

وتشير أحدث البيانات العالمية الى أن الإنتاج الصخري تراجع بمقدار 535 ألف برميل يوميا فقط، ليبلغ 4.2 ملايين، مع مرونة الشركات المستخرجة التي تعتبر في معظمها صغيرة ومتوسطة الحجم على إعادة هيكلة عملياتها وضبط نفقاتها، وفقا لتحديات أسعار النفط الجديدة في العالم، إلى جانب أن الحديث عن الكلفة العالية لاستخراج النفط الصخري ليس دقيقا تماما، لأن تكلفة الاستخراج تتنوع حسب المناطق، إذ نراها في منطقة تصل الى 80 دولارا للبرميل، وفي منطقة أخرى 40 دولارا، وبالتالي فإن الأسعار مهما انخفضت فلن تزيح النفط الصخري من السوق كليا.

ولذا فإن التوقعات تشير الى عودة لافتة لإنتاج النفط الصخري بمقدار 600 إلى 700 ألف برميل يوميا بحلول نهاية العام الحالي، وأن معظم منتجي النفط غير التقليدي يرون في مستويات الـ 50 دولارا كمعدلات جيدة لضخ كميات أكبر من النفط الصخري.

تخمة المعروض

أما على صعيد التخلص من فائض المعروض النفطي في السوق، فإن تجارب العامين وربع العام تشير الى أن سياسات «أوبك» لم تنجح في خفض فائض المعروض، وأن مستويات الفائض ظلت تتأرجح بين 2 و2.5 مليون برميل يوميا، وإذا حدث الانخفاض في المعروض، فإنه يكون لأحداث أمنية أو استثنائية كحرائق الغابات في كندا والهجمات على خطوط الأنابيب في نيجيريا وإضراب عمال المصافي في فرنسا، وليس لنجاح سياسات «أوبك» في عدم خفض الإنتاج لدفع السوق نحو الاستقرار.

بل إن سياسات «أوبك» خلقت حالة من التشاؤم لدى وكالة الطاقة الدولية التي حذرت من تخمة المعروض، خصوصاً في النصف الأول من العام المقبل، نتيجة هبوط حاد في نمو الطلب العالمي على النفط، بالتزامن مع ارتفاع المخزونات وزيادة الإمدادات، مما يعني أن الاستمرار في السياسات نفسها سيؤدي الى إغراق السوق النفطي بالمعروض، وبالتالي تدهور الأسعار أكثر على المنتجين بكل ما ينعكس سلبا بدرجات متفاوتة على اقتصاداتها كفنزويلا والجزائر، وصولا الى دول الخليج.

تصحيح المسار

الخفض اليومي بواقع 740 ألف برميل فرصة لتصحيح مسار «أوبك» إذا تحقق الالتزام بين المنتجين وفقا لتوزيع الحصص، حسب ما جاء في اتفاق الجزائر، وبالتالي يجب أن يتجاوز المنتجون أي خلافات يمكن أن تظهر مجددا حول توزيع الحصص أو حساب كميات الانتاج، خصوصا أن توقعات سوق النفط للخفض محدودة، ورغم أهميته إلا أن آثاره على الأسعار لن تكون كبيرة، إذ من المتوقع أن يظل الفائض بالسوق ما بين مليون و1.5 مليون برميل يوميا، مما يشكل ضغطا على سعر البرميل الذي كسب فور إعلان الاتفاق 6 في المئة قبل أن تنخفض المكاسب الى 1 في المئة باليوم التالي.

هناك تنافس عالمي في «أوبك» وخارجها على رفع الإنتاج النفطي، فروسيا لامست الشهر الماضي أعلى مستوى إنتاج تاريخي ببلوغه 11.75 مليون برميل يوميا، في حين ضخت السعودية أعلى مستوى على الإطلاق من النفط خلال يوليو الماضي وتواصل العراق وإيران رفع مستوى إنتاجهما النفطي من دون أي اعتبار لأي ترتيبات يمكن أن تحدث في السوق، فضلا عن ترقب الأسواق لعودة ليبيا ونيجيريا إلى الإنتاج بعد توقف أشهر عدة نتيجة لظروف أمنية، مما يعني عودة ما بين 700 و900 ألف برميل يوميا إلى السوق المتخم أصلا.

أهمية الاتفاق

هذه البيانات تعطي مؤشرات على أن الاتفاق على توزيع حصص خفض الإنتاج بين منتجي أوبك - بعيدا عن إنتاج روسيا - قد يكون أكثر تعقيدا من الاتفاق على الخفض نفسه، إذ تشكك العراق وايران في آلية احتساب كميات الإنتاج في المنظمة ما بين بيانات الدول الأعضاء ومعلومات المصادر الثانوية كالمؤسسات البحثية، وهو محل خلاف مع دول الخليج، الأمر الذي يمكن أن ينقل أزمة «أوبك» من الفكرة العامة، وهي خفض الإنتاج الى الخلاف على توزيع الحصص وفقا لقرار خفض الإنتاج، وهذا بالطبع في مصلحة أسعار النفط العالمية.

ما يجب أن يفهمه منتجو «أوبك» أن الاقتصاد العالمي يعاني حالة تراجع في النمو، مما ينعكس سلبا على الطلب العالمي، وبالتالي فإن السلع وأهمها النفط يجب أن تتجاوب مع هذا الوضع دون «عناد»، مما يؤدي إلى نتائج عكسية على اقتصادات دول تبالغ في رهانها على النفط.