طهران وأنقرة تتسابقان لرسم السياسة في أكبر مدينة سنية عراقية
معركة «تحرير الموصل» تختبر «مستقبل الخرائط»
في ظل التصعيد غير المسبوق بين بغداد وأنقرة، وتبادلهما استدعاء السفراء، وتمسك تركيا بحقها في التدخل عسكرياً في «العراق المقسم»، وتلويح بغداد بمواجهة إقليمية إذا لم تتراجع حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان عن استفزازاتها، تعترف الأوساط السياسية في بغداد بأن الشكوك الشديدة، التي تحوم حول القوة العسكرية التركية الموجودة على تخوم نينوى شمال العراق، ليست مجرد ريبة تتعلق بنوايا خرق سيادة، بل تتصل بمستقبل الإدارة السياسية في الموصل، ومن سيقوم بالتأثير على شكل الحكم هناك بعد طرد «داعش».وبات بديهياً لدى الموصليين أنهم سيتخلصون من «داعش»، لكن لا أحد منهم يمتلك إجابة عمن سيحكم مدينتهم، وكيف يضمنون ما يخفف الاحتقان الطائفي ويجفف مصادر التطرف التي قد تخلق ظواهر أخطر من «داعش».وطبقاً للتسريبات المتاحة صار في حكم المعلوم أن الأطراف النافذة تحاول تصميم نموذج إدارة مستقل نسبياً عن بغداد، وفق مبدأ اللامركزية الدستوري، إلا أن هناك وصفات متعددة لهذا، يتبنى إحداها المحافظ السابق أثيل النجيفي مدعوماً من أربيل وأنقرة مع خلافات في التفاصيل، وهي تفترض لا مركزية واضحة تتضمن قوة دفاع ذاتي وتأسيس «إقليم نينوى»، الذي يحفظ حقوق العرب السنة، وتتشكل ضمنه وحدات إدارية تكفل وضع القوميات والطوائف الأخرى.
لكن هذا النموذج رفض من قبل جناح شيعي متشدد مقرب من طهران، ورداً على هذا فإن تركيا تلوح بالتدخل في الموصل دعماً لضمان نوع من «الحكم الذاتي»، بحيث لا يصبح العرب السنة تحت رحمة قرارات بغداد بالطريقة التي سادت في عهد نوري المالكي. وفي الوقت نفسه لا يبدو الفريق الموصوف بأنه يمثل الاعتدال الشيعي، مثل رئيس الحكومة حيدر العبادي، أو المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، قادراً على منح العرب السنة تفويضاً سريعاً بهذا الحجم، مرة لأن إيران تمارس ضغوطها المعقدة، وأخرى لأن بغداد وواشنطن أيضاً أمام احتمال حصول انقسامات سنية داخل الإقليم المفترض، قد تعزز الحاجة إلى نوع من قوات «حفظ السلام»، التي تعني زيادة في الوجود الأميركي على الأرض، وحاجة محتملة لقوات نظامية ساندة أكثرها رجوحاً هو الجيش التركي، وكلا الأمرين سيشكلان حرجاً كبيراً لبغداد.وسبق للشيعة المعتدلين أن تواصلوا مع أنقرة طالبين التوقف عن إحراجهم بهذا الشأن، كما جرى بحث الدور التركي مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، الذي قام بزيارة ناجحة لبغداد الأسبوع الماضي، ساهمت في وضع أسس تهدئة بالشمال، إلا أن أنقرة تتهم معتدلي بغداد والإدارة الأميركية بأنهم يركزون على معركة الموصل كنصر استراتيجي دون اهتمام بالمستقبل السياسي لسنة العراق الذين يعتبرون الموصل آخر حواضرهم الكبيرة المتبقية.كما تبدي أنقرة قلقها الشديد من حزب العمال الكردستاني المعارض لها، والموجود بكثافة في غرب نينوى، حيث منطقة سنجار العراقية المحاذية للمنطقة الكردية السورية، إذ يسيطر الحزب عسكرياً على معظم ذلك الخط، ومعه فصائل مسلحة أيزيدية تتوعد بالانتقام من العرب الذين تعاون بعضهم مع «داعش» في مأساة سبي النساء، التي تعرضت لها هذه الطائفة الصغيرة صيف 2014.وقال محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي: لو تعقدت معركة الموصل وطال أمدها فستكون المنطقة أمام احتمالات جدية بحصول تصادم بين فصائل موالية لإيران وقوات البيشمركة الكردية، أو بين الفصائل وقوات التحالف الدولي بقيادة أميركا، التي ستقود المعركة، وهذا تصادم سيهيئ المسرح لتوغل تركي حقيقي حول نينوى.وتخفف مصادر عراقية من هذه الاحتمالات، مراهنة على دور واشنطن في ضبط الحد الأدنى من التنسيق، خاصة لتزامن الأحداث مع الانتخابات الأميركية، ورغبة الرئيس باراك أوباما في أن يسلم عراقاً أقل فوضى إلى خليفته في البيت الأبيض.