للوهلة الأولى يقودك الظن إلى أن عنوان «سطو مثلث» تنويعة على المصطلح الشائع «سطو مسلح». لكن القراءة المتأنية للملصق الدعائي (الأفيش)، ومطابقته مضمون الفيلم، تقلب الانطباع رأساً على عقب، إذ لا يمكن الفصل، مُطلقاً، بين مفردات الملصق التي تتكوّن من مثلث هرمي في داخله عين أحادية، وهما الرمزان الماسونيان المعروفان ، وبين الأحداث التي تقوم على «اختراق» اثنين من الغرباء، أحدهما يحمل اسم «توم كروز»، حياة عائلة «المراكيبي»، لإقناعها بتزويج أولادها أملاً في إنجاب الحفيد الذي تقول التعويذة إن في يده فتح المقبرة الأثرية التي تحوي كنز الأجداد الذي يُقدر بخمسمئة مليون دولار!

«الاختراق» الذي يُشير إليه كاتب الفيلم أمين جمال، وإن فعل ذلك بسذاجة منقطعة النظير، هو اختراق ماسوني. لكن الكاتب ارتكب خطأ فادحاً عندما ربط بينه وبين الحقبة الفرعونية، وكأنه يسوق دليلاً على أن الاختراق الماسوني قديم، وربما يُعيد الجدل حول علاقة اليهود ببناء الأهرامات، حيث «كبير الكهنة» الذي يأمر، بوصفه مسؤول أمن المملكة، بإيقاف الاحتفال بزواج الأمير من حبيبته، كونه سيجلب، حسب نبوءته، الخراب على البلاد، بعد أن يدمر الأحفاد ما بناه الأجداد، وتتحوّل الملكة «كليوباترا» إلى سجائر، والملك «رمسيس» إلى محطة قطار، و{النيل» إلى مجموعة قنوات متخصصة!

Ad

قبل أن يختلط الهزل بالجد، والنبوءة بالسخرية الفجة، كان المؤلف حصيفاً بدرجة كبيرة عندما أبقى على «الكاهن» (بيومي فؤاد) في العصر الفرعوني، في صورة «العميل الماسوني»، الذي يهبط «حارة المراكيبي»، برفقة «توم كروز» (عبد الله مشرف)، فيما تحوّل «الأمير» إلى «علي» (أحمد السعدني) و{الأميرة» إلى ابنة عمه «هيام» (ريهام حجاج)، بوصفهما حفيدي الفراعنة، والامتداد الطبيعي لهما، مع التحفظ التام على نبرة السخرية السخيفة المتمثلة في إطلاق اسم المترجم الشهير «أنيس عبيد» على الكاهن العميل، و{الإفيه» السمج في تعريفه بأنه مترجم فيلمي «كابتن مصر» و{زنقة ستات» إنتاج آل السبكي. لكن القضية الجادة انقلبت فجأة إلى «تهريج» وثرثرة وعشوائية، من المخرج يونس، وبالطبع المنتج محمد السبكي، اللذين خشيا الاستمرار في طرح قضية على درجة من الأهمية (الاختراق الماسوني)، فآثرا الارتماء في براثن الهبوط والابتذال والسطحية!

بدأ «التهريج» المصحوب بالابتذال مع الانتقال الزمني والمكاني إلى العصر الحديث و{حارة المراكيبي»، التي تعكس تفاصيلها، كما أظهرتها كاميرا جلال الزكي، مظاهر العراقة والأصالة، وجمال القاهرة الفاطمية، حيث المعارك الهزلية التي تعكس سيطرة «علي المراكيبي»، الذي يحب «وردة» (كلوديا حنا)، والخلافات المحتدمة بينه وبين ابنة عمه «هيام»، التي تقف ضدّ رغبته في بيع بيت العائلة القديم، ما يدفعه إلى تنظيم مباراة كرة قدم لهدم البيت عن طريق تصويب الكرة على جدرانه القديمة، وهي الخطة التي تجهضها «هيام» عندما تستعين بنجوم اللعبة الكبار، ما يُجبر أمه «ليلى» (ليلى عز العرب) على التفكير في سرقة حجة البيت لإجبار «هيام» ووالدها (سعيد طرابيك) على البيع. وبدلاً من السير على هذا النهج، رغم تفاهته، ينزلق الفيلم في متاهة الماسونية، وخرافة المقبرة الأثرية، واحتواء الخلاف بين عائلتي «علي» و{هيام»، وإغراء الجميع بالثراء المنتظر، عبر تأكيد حتمية الزواج، وهو ما يحدث فعلاً. وفي الأقصر، وبعد مغامرات سخيفة يحدث الحمل، وتنجح العصابة «الماسونية» في خطف «هيام»، والتحفظ عليها إلى حين لحظة الولادة. وبدلاً من وضع حد لهذا العبث، يُساق الوليد إلى المقبرة، وتستولي العصابة على الكنز، وفجأة يُدرك «السبكي» حجم الجرم الذي ارتكبه فيتدخل لكسر الإيهام، ويقتحم «الكادر»، ليطرد الممثلين، والمخرج من بعدهم، ويُنهي الفيلم بالأغنية الجماعية التقليدية التي يختتم بها غالبية أفلامه، ويُقدم من خلالها ليال عبود!

في فيلم «سطو مثلث» توظيف لفن «البارودي» (محاكاة ساخرة لشخصيتي «رأفت الهجان» وهبة قطب)، ومبالغات مقبولة (كبير الكهنة يرتدي نظارتي بيرسول)، ووصف ساخر للقاهرة (معالمها تُعرف بباعة المأكولات الشهيرة)، ومزج رائع بين الديكور والقاهرة الفاطمية (عادل المغربي)، وزوايا تصوير مبتكرة (جلال الزكي). لكن ثمة في المقابل «إفيهات» سخيفة، وغناء مجاني فج، وإقحام غير مبرر للثورة (ببغاء قبل الثورة كان يسمع الكلام ويعيده فقط لكنه بعدها يتكلّم ويعبّر عن نفسه)، ومواقف مكررة (معارك أطفال النينجا)، واستظراف في غير محله («هيام» توافق على الزواج من «علي» بشرط ألا يمس عذريتها) وممثلون عالة (أوس أوس ومصطفى أبو سريع) وآخرون لا دور لهم (عبد الله مشرف وسعيد طرابيك والراقصة بريندا)، وعدم فهم لطبيعة البشر والأماكن (شباب الأقصر يتحرشون بالعروس «هيام»)، وإقحام للسياسة (مدير الفندق يهدد موظفيه بالطرد بعد اختطاف قط يحمل الجنسية الأميركية)، وقبح وتجاوز أخلاقي (البطل يتباهى بفحولته ويؤكد أنه ساعد نصف عرسان مصر)، وهو ما يعني أننا لم نكن في صدد فيلم سينمائي بالمعنى المتعارف عليه، بل عشوائية وغلظة بمعنى الكلمة، أضف إليهما اختياراً سيئاً، وتوظيفاً أسوأ، للممثل أحمد السعدني!