إذا كان ما قاله السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد عن الصراع المحتدم في سورية صحيحاً، إذ أكّد أن الولايات المتحدة قد خرجت عمليّاً وفعليّاً من هذا الصراع، ومعها المجموعة الأوروبية كلها، وأن الأمور قد أصبحت كلها في يد روسيا وإيران وتركيا، فإنَّ هذا يعني أن القادم سيكون أعظم، وأنه على "الانكفائيين" والمتفرجين العرب أن "يتحسسوا"، من الآن، رؤوسهم وأعناقهم، وذلك لأن أطماع الإيرانيين باتت معروفة وواضحة، ولأن تحالفاً كهذا التحالف سيكون "مدحلة" ستهرس كل "الرؤوس الصغيرة"، مادامت "الرؤوس الكبيرة"، حسب هذا الدبلوماسي الذي كان قد تسلم الملف السوري لفترة طويلة، قد "طُؤطئت" أمام رأس فلاديمير بوتين وحلفائه.

لاشك في أنَّ هذا الدبلوماسي (السابق)، الذي التحق بعد تقاعده بأحد مراكز الدراسات الاستراتيجية في الولايات المتحدة، يعرف الكثير عن هذا الملف، وأنه متابع عن قرب للأزمة السورية، التي مع الوقت وكثرة المتدخلين أصبحت أزمة عالمية، لكن ما يدعو إلى التريث، قبل البناء سياسياً على هذا الذي قاله روبرت فورد، هو أنه إذا كانت فعلا هذه حال أميركا فإنه عليها أن تدرك، من الآن، أنها ذاهبة إلى التمزق، وأن كل واحدة من ولاياتها ستصبح دولة مستقلة تختبئ هناك وراء الأطلسي لتنهمك في شؤونها الداخلية.

Ad

والحقيقة أنه يجب أخذ هذا الذي قاله فورد بعين الاعتبار، فأولاً لقد بات واضحاً أن قراراً استراتيجياً كهذا القرار لم يعد لا في يد أوباما ولا في يد كيري، بل في أيدي مجموعة "الصقور" من الديموقراطيين، وأيضاً من الجمهوريين الذين يعرفون أن من يخسر هذه المواجهة في سورية سيخسر الشرق الأوسط كله، وهو الذي لا يزال والذي سيبقى منطقة مصالح حيوية، واستراتيجية للولايات المتحدة!

إن هؤلاء "الصقور" يعرفون أنه إذا كان هذا الذي قاله فورد هو الحقيقة فإن خطوة بوتين المقبلة ستكون المجال الحيوي السابق للاتحاد السوفياتي، عندما كان في ذروة قوته، أي ستكون في اتجاه أوروبا الشرقية التي كانت تجربة دولها مع الاتحاد الأوروبي محبطة وسيئة والتي تربط العديد منها علاقات قومية – عرقية مع روسيا الاتحادية، وعلاقات دينية، على أساس أن معظمها تابع للكنيسة الأرثوذكسية في موسكو.. ثم إنًّ المؤكد أن هؤلاء "الصقور" يعرفون، إذا كان أوباما لا يعرف، أنه إذا خسرت الولايات المتحدة الشرق الأوسط، وخسرت أوروبا الشرقية... وبالتالي أوروبا الغربية، فإنها ستتحول إلى دولة بائسة تختبئ وراء المحيط الأطلسي، وأن الميدان العالمي كله ستحتله قوتان هما روسيا الاتحادية والصين.

وهكذا، فأغلب الظن أن ما قاله فورد هو مجرد استنتاجات افتراضية في لحظة إحباط وتشاؤم، وأن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة التي لا تزال أكبر وأقوى قوة في العالم لا يمكن أن تسمح لرئيسها "الراحل" بتسليم كل الأوراق لروسيا الاتحادية وحليفتها إيران، وأنها لا يمكن أن تترك تركيا العضو المؤسس في حلف شمالي الأطلسي، ولاحقاً أوروبا الشرقية، فريسةً لنزوات فلاديمير بوتين الذي من المؤكد أن لجوءه إلى التصعيد، وإلى كل هذه الحركات "البهلوانية" الاستعراضية بحراً وبراً وسماءً، هو دلالة ضعف وخوف، وليس دلالة شجاعة وقوة!