Command and Control
يصوّر أزمة نووية مخيفة
صحيح أن أفلاماً وثائقية كثيرة تدفعك إلى الخوف أو الرعب الشديد، إلا أن قليلاً منها يشعرك بالهلع بتميّز وإقناع بقدر ما يفعل Command and Control.
أخرج روبرت كينر Command and Control، وشارك مؤلفَ الكتاب إريك شلوسر (يؤدي دوراً بارزاً في الفيلم) في تأليفه. يركّز العمل على صومعة الصاروخ تيتان الثاني في داماسكوس بأركنساس، الذي كاد يتسبّب بانفجار نووي كارثي كان سيدمر الساحل الشرقي الأميركي بأكمله، في 18 سبتمبر عام 1980.شكّل Food.Inc الذي رُشّح لجائزة أوسكار آخر تعاونٍ بين كينر وشلوسر. لكنهما قررا في Command and Control سرد قصة أشمل عن المخاطر التي ترافق الأسلحة النووية، ولا تهدد أعداءنا فحسب بل حياتنا أيضاً.يخبر شلوسر بهدوء، متذكراً أول اختبار نووي في موقع ترينيتي في نيومكسيكو عام 1945: «ساد منذ البداية شعور بأن قوة مهولة جداً على وشك أن تخرج عن السيطرة».
صحيح أن هذه المادة تُعتبر متفجرة بطبيعتها، إلا أن كينر وشلوسر أدركا أن التعاطي معها بأكبر قدر من الموضوعية يشكّل أفضل طريقة لتفادي إثارة الجدل.لكن المفارقة تكمن في أن الشخصيات الرئيسة، التي عاشت أزمة عام 1980 (يشمل الفيلم مقابلات مع غالبيتها)، ما زالت تتعاطى مع هذه الذكريات بعواطف قوية، رغم مرور نحو 40 سنة على الواقعة. ولا عجب في ذلك، خصوصاً عندما تأخذ في الاعتبار أنهم ظنّوا أنهم سيشهدون قريباً كارثة نووية ستبدّل العالم.بالإضافة إلى ذلك، لقي كينر مساعدة كبيرة من متحف صاروخ تيتان في منطقة غرين فالي بأريزونا، بما أن هذا المتحف يشكّل نسخة طبق الأصل من صومعة صاروخ تيتان في أركنساس حيث وقعت الحادثة وما تلاها من تطورات.تُعتبر المشاهد البسيطة، الذي أعاد فيها كينر والمصوران السينمائيان بول غولدسميث وجاي ريدموند تصوير بعض تلك الحوادث، بالغة الأهمية لأنها تُظهر للمشاهد كم كان ذلك المكان مخيفاً ومدى رهبة صاروخ يحمل في أعلاه رأساً حربياً نووياً حرارياً زنته تسعة ميغا-طن، أي أقوى بثلاثة أضعاف من القنابل كافة التي فُجرت في الحرب العالمية الثانية، بما فيها القنبلتان النوويتان.
مشهد مأساوي
يُستهل Command and Control بمشهد مأساوي يصوّر الكارثة المميتة. في الساعة السادسة والدقيقة الخامسة والعشرين من بعد ظهر ذلك اليوم، نرى في المشاهد المعاد تصويرها عضوين من فريق نظام نقل القاذفات التابع لسلاح الجو الأميركي وهما يستعدان للعمل على الصاروخ الضخم مع اقتراب نوبة عملهما التي تدوم 12 ساعة من نهايتها.يخبر جفري ل. بلامب، الذي كان آنذاك في التاسعة عشرة من عمره: «تتوقع دوماً أن تسير المسائل كافة على خير ما يُرام. لكن الحوادث تقع باستمرار».وقعت الكارثة عندما عمد زميل بلامب ديفيد باويل إلى استخدام سقاطة بدل مفتاح عزم ليزيل الحشية. إلا أن الأوضاع تبدّلت فجأة حين وقف يتأمّل برعب (حتى إنه لم يتمكّن من إخبار رؤسائه بالقصة الكاملة إلا بعد مرور نصف ساعة) الحشية وهي تسقط وتصطدم بجانب الصاروخ، ما أدى في الحال إلى تسرّب وقود هدّد بالانفجار، وربما بالتسبب بانفجار الرأس النووي.في هذه المرحلة، يتنقل Command and Control بين محاولات القوات الجوية التعاطي مع هذه الأزمة وغيرها من حوادث الأسلحة النووية السابقة. تفيد القوات الجوية بأن عدد الحوادث يبلغ 32 حادثة، وهو أمر مخيف بالتأكيد، إلا أن هذا الوثائقي يدعي أن عددها يفوق الألف.يروي المشاركون في الحادثة قصة بطولة وتهوّر وقصة أفراد أقدموا على خطوات فاعلة وأنظمة أخفقت. لم نشهد حينذاك انفجاراً نووياً، لكن تطورات مريعة أخرى وقعت وشكّلت مصدر إحراج كبيراً للقوات الجوية، حتى إنها تجاهلت أولئك الذين أعربوا عن بطولة لا توصف.لا شك في أن هذه الحادثة مخيفة، إلا أن خلفيتها لا تقل عنها خطورة، خصوصاً عندما نكتشف أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي امتلكا في مرحلة ما نحو 70 ألف سلاح مخيف مماثل.علاوة على ذلك، يتملكنا قلق وخوف عندما نسمع مَن كانوا مسؤولين عنها، أمثال الرائد آلن د. تشايلدرز، يؤكدون أنهم كانوا مستعدين للضغط على الزر باسم الردع. يقول تشايلدرز: «كان عليّ الاستعداد لتدمير حضارة بأكملها، ولم أواجه أي مشكلة في ذلك».لكن المقلق حقاً فكرة أن الأسلحة النووية آلات وأن كل آلة تُصنع تتعطّل في مرحلة ما.يذكر بوب بوريفوي، مهندس في مختبرات سانديا عمل سابقاً في بناء الأسلحة: «سيحدث ذلك، ربما غداً أو بعد مليون سنة، إلا أنه سيقع لا محالة».إذاً، كما قلت مسبقاً، من الضروري أن نشعر بالخوف.
الفيلم يُظهر مدى رهبة صاروخ يحمل رأساً حربياً نووياً زنته 9 ميغا- طن