آلية متعِبة لحماية الذات

Ad

يزداد ميلنا إلى التشكيك في الناس بسبب مصاعب الحياة عموماً والمشاكل المتلاحقة وسلوكيات بعض الأشخاص. تصبح الشكوك في هذه الحالة شكلاً من المقاومة الداخلية المستمرة وسرعان ما تنعكس تلقائياً على العلاقات مع الآخرين. لا تلبّي هذه الآلية الحاجة إلى ترسيخ الشعور بالأمان بل تغذي انعدام الأمان الذي يشتق من بحث عشوائي عن أدلة تثبت مظاهر الاستغلال والشر والتلاعب والكذب... ثمة خط رفيع بين الشك وجنون الارتياب ولا يسهل رصده دوماً. من خلال مراقبة نتائج السلوكيات التي نتبناها، يمكن أن نعرف إذا كانت تلك السلوكيات تسهّل الحياة والعلاقات مع الآخرين أو تزيدها تعقيداً.

تعميق الروابط والعلاقات

نحتاج إلى الثقة لتعميق علاقاتنا. تسمح الثقة للناس بتقاسم حاجاتهم وأحلامهم على مستويات مهمة. يستطيع الناس أن يتفاعلوا في ما بينهم ويعملوا جماعياً لتحقيق هدف مشترك عن طريق الثقة. وتسمح هذه الثقة أيضاً بالحفاظ على صداقات مستدامة وحميمة وإقامة علاقات زوجية ناجحة.

الثقة ضرورية لإقامة روابط حقيقية. تتطلب أبسط علاقة حداً أدنى من الثقة. لكن لا بد من تعميق تلك الثقة لإقامة علاقات حميمة. تضمن الثقة الشعور بالتحرر وتزيل العبء الذي يدفعنا دوماً إلى التشكيك بنوايا الآخرين. تنتج الثقة المتزايدة عمقاً في العلاقات وتزيد قيمتها. يعتبر كثيرون أن أهم قيمة في الحياة تتعلق بإيجاد أشخاصٍ يمكن الاتكال عليهم في جميع الظروف.

أساس علاقاتنا بالآخرين

الثقة ركيزة أساسية لعلاقاتنا بالآخرين وتعني في هذا المجال أن نتأكد من دعم الطرف الآخر لنا باستمرار. إنه شعور {كامل}، إذ لا يمكن أن نثق بالناس جزئياً. يكون شعور الأمان أساساً لعلاقاتنا منذ صغرنا لأن الثقة عامل محوري بدءاً من الطفولة كوننا نعرف أننا سنجد من يُنهِضنا حين نسقط.

الثقة بالصداقة

الثقة بالغة الأهمية في الصداقات لأنها تقنعنا بأن الصديق يستحق أن يصبح كاتم أسرارنا. لكن يمكن أن يخون ذلك الصديق ثقتنا أحياناً إذا لم نختر الشخص المناسب.

الثقة بالحب

يكون هذا الشعور مهماً جداً في علاقات الحب. حين نعطي ثقتنا للحبيب، يمكن أن نعمّق علاقتنا به. تسمح الثقة في هذه الحالة بتطوّر العلاقة الثنائية وبناء ثقة متبادلة والاحتماء من الغيرة والخوف من انتهاء العلاقة. لكن تبقى الثقة في هذا النوع من العلاقات معقدة ويمكن أن تتأثر بحجم الثقة بالنفس.

الثقة بالأبوين

تكون هذه الثقة محورية لأنها تطوّر الثقة بالنفس وتمهّد للوثوق بالآخرين عموماً.

إعطاء الثقة مرادف للعطاء

حين نعطي ثقتنا للآخرين، سيتشجعون على توسيع هامش استقلاليتهم وسيشعرون بالمسؤولية. تكون الثقة أشبه بهدية نقدمها للناس ولا يمكن استرجاعها. لذا نكون مسؤولين شخصياً عن العطايا التي نقدمها. تعبّر هذه الهبة عن سلوك رمزي قوي جداً لكنها تحتاج إلى الوقت والاحترام والإصغاء والاهتمام والحوار!

الثقة ميزة يمكن اكتسابها

يتطلب الوثوق بالناس مساراً طويلاً في العلاقات مع الآخرين، ويمكن اكتساب هذه الميزة من جديد بعد مواجهة أحداث سلبية أو مقابلة أشخاص يحملون نوايا سيئة. تتعدد الوسائل المفيدة التي تسمح باكتساب الثقة في الحياة:

• تحديد سبب غياب الثقة: غالباً ما يرتبط رفض الوثوق بالناس بتجربة تعيسة. من خلال تحديد تفاصيل ذلك الحدث، يمكن أن نطور شعور التسامح تجاه الآخرين ونتساهل في تعاملنا معهم. سنفهم بهذه الطريقة أن التهديد يرتبط حصراً بالشخص الذي خان ثقتنا في الماضي.

• العودة إلى الواقع: يجب أن نتخلص من أحكامنا المسبقة ونعطي فرصة للآخرين. قد يكون الشخص الذي يعجز عن حفظ الأسرار بارعاً في العمل ويمكن أن يقدم نصائح مفيدة في علاقة الصداقة.

• تذكّر التجارب الإيجابية: لا شك في أننا قابلنا جميعاً أشخاصاً تصرفوا معنا كحلفاء حقيقيين. من خلال تذكّر التجارب الإيجابية التي عشناها، يمكن أن نُبسّط الوضع ونقتنع بأن جميع الناس ليسوا سيئين ونتخلى عن دور الضحية.

• عدم افتراض النوايا: بدل افتراض نوايا الآخرين، يجب أن نحاول دوماً التحدث معهم لفهمهم. من حق جميع الناس أن يرتكبوا الأخطاء شرط ألا يكرروها. يمكن تعزيز الثقة في أي علاقة عبر الحوار أيضاً.

• تجنب الإسقاطات: تعيدنا الشكوك دوماً إلى تجاربنا الماضية. لذا يجب التنبه من الإسقاطات التي تخرجنا من الحاضر وترتبط بطفولتنا وأسلوب تربيتنا ومعتقداتنا الخاطئة.

• تخصيص الوقت الكافي لتطوير الثقة: إذا وثقنا بالآخرين سريعاً من دون أن نتعرّف إليهم بما يكفي، قد يخيب أملنا ونندم على إعطائهم ثقتنا إذا تعرّضنا للاستغلال، فنفقد معاييرنا ونخسر ثقتنا بنفسنا ونشعر بخيبة عميقة وغضب شديد. لذا يجب أن تتطور الثقة تدريجاً مع مرور الوقت.

• التنبه باستمرار: إذا لم نتعرّف إلى الشخص الآخر بما يكفي، سنعيش في الوهم والحلم والخيال وسنُكوّن صورة غير واقعية عنه. قد يبرز عائقان في هذه الحالة: الشك والسذاجة. يتعلق الحل الوسطي بالتنبه المستمر. يعني التنبه في هذا المجال استعمال جميع حواسنا في الزمن الحاضر والإصغاء إلى الذات ومراقبة ما يحصل من حولنا. يُقاس مستوى التنبه في الزمن الحاضر بينما تتطور الثقة في المستقبل. ويكون التنبه صلة وصل سلسة بين العواطف والمنطق.

• إجراء الاختبارات: لاختبار مدى صدق المقربين منا، يمكن أن نأتمنهم على مسائل بسيطة في حياتنا أو وقائع لا عواقب لها للتأكد من عدم انتشار أخبارنا. سنعرف بذلك إذا كان الطرف الآخر شخصاً موثوقاً به. استفسر أيضاً عن الآخرين ولا تبدأ علاقاتك عشوائياً بل كن حذراً في تعاملك مع الجميع.

• البدء بالذات: لا تنس ضرورة أن تكون أهلاً للثقة إذا كنت تنتظر معاملة بالمثل من الآخرين.