في المناظرة التي جرت في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، اتهم المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي جانيت يلين بتضخيم فقاعة "كبيرة وبشعة"، من خلال إبقاء معدلات الفائدة في مستويات متدنية جداً. ولم يكن في وسع يلين أن تغض النظر عن هذا الاتهام، لأنه جاء قبل خمسة أيام فقط على لسان ثلاثة أعضاء من مجموعتها المكلفة بتحديد معدلات الفائدة –لجنة السوق المفتوحة الفدرالية– وان كان بكلمات أكثر لباقة. وأعلنت اللجنة أن لوريتا ميستر، وايستر جورج، واريك روزنغرن عارضوا قرار اللجنة المتعلق بالتمسك بالمعدلات لأنهم "فضلوا" رفعها بربع نقطة مئوية في ذلك الاجتماع.
ليس من السهل إدارة بنك مركزي، خصوصا خلال حملة انتخابية، وبقدر أكبر خلال هذه الحملة، عندما يسود انقسام عميق حول ما إذا كانت معدلات الفائدة متدنية جداً في الولايات المتحدة. وكما سيظهر السجل المتباين لعمل البنك المركزي فإن تحديد معدلات الفائدة عملية محيرة ومربكة. ولكن كشف ذلك أمام العامة يجعل مجلس الاحتياط الفدرالي يبدو غير فعال، مما يجعله عرضة بقدر أكبر لحملات من أمثال ترامب، الذي قال في المناظرة إن مجلس الاحتياط الفدرالي "سياسي بقدر يفوق هيلاري كلينتون"، ويبقي معدلات الفائدة متدنية بغية مساعدة الرئيس أوباما على الذهاب الى ملاعب الغولف في يناير.
تصرفات سياسية
وتتمثل الصعوبة التي تواجه يلين في أنه رغم أن دوافع مجلس الاحتياط الفدرالي ليست سياسية، فإن تصرفاته سياسية بصورة متأصلة بمعنى أنها تؤثر على الاقتصاد، وبالتالي فهي تخلق رابحين وخاسرين. ويساعد إبقاء معدلات الفائدة متدنية الحاكم من خلال تحفيز النمو –ولكن، كما يقول البعض، مع المجازفة بخلق تضخم غير مقبول ويتعين مواجهته بمعدلات عالية في وقت لاحق. وهذا ما قصده ترامب في المناظرة عندما قال "ستشهدون حدوث أشياء سيئة جداً". ويطرح رفع معدلات الفائدة الآن صعوباته الخاصة، فقد يفضي الى اضطراب في الأسواق المالية ويهز الثقة. ومنذ 28 سبتمبر شهدت الأسواق المالية فرصة نسبتها 17 في المئة فقط بأن يرفع مجلس الاحتياط الفدرالي معدلات الفائدة في 2 نوفمبر مقابل فرصة بنسبة 53 في المئة برفع تلك المعدلات في 14 ديسمبر. ما سبب التوقعات المتدنية الخاصة بشهر نوفمبر. يتمثل أحد الأسباب في عدم وجود مؤتمر صحافي محدد في ذلك الموعد وتستخدم يلين المؤتمرات الصحافية من أجل شرح خطواتها المتعلقة بمعدلات الفائدة. ويتمثل السبب الآخر في أن الأسواق لا تبدو أنها تظن أن مجلس الاحتياط الفدرالي سيجذب الانتباه إليه عبر رفع معدلات الفائدة قبل 6 أيام من الانتخابات. وعدم رفع المعدلات طبعاً يمكن أن يفسر على أنه قرار سياسي.والمهم هو أن أي شيء يقوم به مجلس الاحتياط الفدرالي، أو يحجم عن عمله، يؤخذ ضمن منظور سياسي، على الرغم من أن يلين قالت بعد اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفدرالية في 21 سبتمبر "نحن لا نناقش قضايا سياسية في اجتماعاتنا، ولا نأخذ السياسة في الحسبان في قراراتنا".يقول المراقبون عن كثب لمجلس الاحتياط الفدرالي إن يلين محقة في قولها إن السياسة لا تطرح قط في اجتماعات اللجنة المذكورة. ويقول مايكل غابن، وهو كبير الاقتصاديين الأميركيين في باركليز، انه لا يظن أن مجلس الاحتياط الفدرالي سيتردد في رفع معدلات الفائدة في 2 نوفمبر إذا كان الوقت ملائماً. ويقول مايكل دورف البروفسور في كلية الحقوق في كورنل "يتعين عليك العودة إلى آرثر بيرنز، الذي شغل المنصب من سنة 1970 الى 1978 لرؤية رئيس لمجلس الاحتياط الفدرالي عمل بشكل متعمد على تحسين الاقتصاد لمساعدة الرئيس".وعملت يلين على إضفاء السمة الأفضل للمعارضة في المجلس، وأبلغت الصحافيين أنها تظن أنه "شيء جيد تماماً أن لجنة السوق المفتوحة الفدرالية ليست هيئة تعاني تفكير المجموعة". وصحيح أن الجدال الداخلي النشيط يمكن أن ينتج حصيلة أكثر حنكة ولكنه ليس جيداً جداً بالنسبة لها، عندما يتحول الجدال الداخلي الى جدال خارجي. وفي الجانب المتشدد في 21 سبتمبر كان هناك ثلاثة رؤساء لبنك الاحتياط – ميستر من كليفلاند وجورج من كنساس سيتي وروزنبرغ من بوسطن.خطابات أخيرة
وفي الجانب المعتدل طرح ثلاثة مقترعون الاتجاه المعاكس من خلال الاشارة الى التصور الاقتصادي، الذي يفيد بأنهم لا يظنون أن أي رفع ملائم في هذه السنة. والحكم من خلال الخطابات الأخيرة ربما كان اثنان منهم لايل برينارد ودانييل تارولو، وربما كان الثالث رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي في شيكاغو تشارلز ايفانز.ويقول غابن من باركليز "أعمال البنك المركزي العصرية تدور كلها حول الاتصالات. وتفضل اللجنة التحاور بصوت موحد". ويضيف أنه إذا كان مجلس الاحتياط الفدرالي يعتبر من دون اتجاه فإن الأسواق "يمكن أن تفقد الثقة في المؤسسة نفسها".وتتمثل المشكلة الأعمق بالنسبة الى مجلس الاحتياط الفدرالي في نقص التنظيم فيه قبل الأزمة المالية، وأن تفاؤله المفرط ازاء التعافي قد أضعف هالة خبرته –بحسب روبرت جونسون وهو رئيس معهد التفكير الاقتصادي الجديد. ويقول " شرعية الخبراء قد سحقت وينظر اليهم مثل وكلاء تسويق للسلطة. والطريقة المعروضة ليست مشكلة يسهل حلها، لأن التحدث بصوت واحد سيخفي فقط الشك في ناخبي مجلس الاحتياط الفدرالي ولن يحلها. ويضيف جونسون أنهم يحاولون التحكم في نظام لا يمكن السيطرة عليه".