مخابئ ذهب الألب تنافس الحسابات السرية السويسرية
في أعماق جبال الألب السويسرية وعلى مقربة من مطارات قديمة ملائمة لهبوط طائرات غلفستريم وفالكون النفاثة، يوجد مخزن ضخم يحتوي على ما قد يكون أحد أكبر مخابئ الذهب في العالم. ومدخل هذا المكان الذي يحميه حارس يرتدي سترة واقية من الرصاص مكون من باب معدني صغير، ووراء بابين خلفه يقبع مدخل معدني من زنة 3.5 أطنان يفتح فقط بعد إدخال رمز سري وتشغيل آلة مسح قزحية وشاشة تعريف للوجه. وتقبع في الداخل متاهة أقبية كانت تستخدم من قبل القوات المسلحة السويسرية.يريد صاحب هذا القبو أن يظل مجهولاً، لأسباب تتعلق بالأمن، ويقلق من أن يفضي الكشف عن اسم شركته الى استهدافه من قبل اللصوص. وهو يرفض على عجل الرد على أسئلة تتعلق بكيفية فحص وتدقيق زبائنه، ولكنه يقول إن العديد من الذين يأتون اليه بحثاً عن ملاذ آمن لأصولهم لا يجتازون اختبار القبول "في مقابل كل زبون نقبل به نحن نرفض واحداً أو اثنين. نحن لا نريد التعرض لمشاكل".ارتفع الطلب على تخزين الذهب منذ الأزمة المالية العالمية في سنة 2008، ويرى العديد من الأثرياء أن امتلاك الذهب على شكل تحوط ضد مخاطر البنوك واستثمارات معقولة في وقت تشهد الأسواق فيه تقلبات، ولا تحقق الحسابات المصرفية والسندات المتدنية المخاطر أي أرباح بشكل تقريبي.
وقد يكون الذهب أيضاً طريقة لتفادي التدقيق المتزايد من جانب سلطات الضرائب. وفي الحالات البارزة قام الادعاء العام في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بملاحقة مواطني تلك الدول بتهمة عدم الإفصاح عن حسابات مصرفية سويسرية.وعمليات التخزين السويسرية من هذا النوع لا تنطوي على الالتزام ذاته، الذي تقوم به البنوك السويسرية بشأن الإبلاغ عن صفقات مريبة الى جهات التنظيم الفدرالية. ولا يطلب من الأميركيين بموجب قانون الإذعان لضرائب الحسابات الخارجية في الولايات المتحدة اعلان الذهب المخزن خارج المؤسسات المالية.ومن بين حوالي 1000 من الحصون العسكرية السابقة التي لاتزال موجودة في شتى أنحاء سويسرا، تم بيع بضعة مئات في السنوات الأخيرة، وحوالي 10 منها تستخدم الآن لتخزين الذهب ومعلومات الحواسيب، بحسب وزارة الدفاع السويسرية.
مخازن بولندية
وتطابق قلة فقط أوضاع المطارات، ويقول مالكوها إنهم يديرون أكبر مخزن للذهب لزبائن خاصين– وسابع أضخم سرداب للذهب في العالم. وعلى مقربة من المدرج توجد صالة كبار الشخصيات وشقتان فاخرتان للزبائن. وتزدان جدران الشقتين بخشب عتيق من المخازن البولندية، كما تم اختيار الكوارتزيت من جنوب إفريقيا لمطابقة الأخشاب الرمادية، ويمكن أن تسحب عناصر الراحة مثل مرآة الحمام وشاشات التلفاز الى السقف والنضد أو الجدار. ويعرض المالك أمكنة للزبائن للنوم والأكل لأن "العديدين لا يريدون ترك أثر ورقي من ايصالات بطاقات الائتمان وجوازات السفر" في الفنادق والمطاعم.وعلى بعد بضعة أميال يوجد دولف ويبفلي، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة مختلفة تدعى سويس داتا سيف Swiss Data Safe، وأحد قلة من المشغلين الراغبين في اجراء مقابلة للتحدث عن أعمالهم. وتوجد متاجر ذهب هذه الشركة للزبائن في حصن داخل جبل يقع خارج قرية صغيرة تدعى أمستغ. ولكنه لا يكشف عن عن الموقع المحدد لتخزين الذهب ويختار بدلاً من ذلك أخذ زواره الى غرفة تحتوي على حواسيب تخص النصف الآخر من شركته وتوفر مخزن عمليات نسخ احتياطي للمعلومات. كما يرفض الكشف عن المبلغ الذي يحققه من تخزين الذهب، ويشتمل موقع الشركة على الشبكة العنكبوتية نسخاً باللغتين الصينية والروسية.وتحدث ويبفلي عن وجود نمو يتعلق بالذهب "ومنذ سنة 2008 حدث اهتمام حقيقي في البحث عن بدائل لإيداعات البنوك". وتعمل هذه الشركة على نحو جلي إزاء هذا الطلب.وبحسب تقديم باور بوينت من ويبفلي الى الزبائن، فإن سويس داتا سيف "مستقلة عن النظام المصرفي وأي منظمة أو مجموعة اخرى. ولا تخضع هذه الشركة ومنافستها المجهولة لتنظيم هيئة الخدمات المالية السويسرية "فينما".عمليات فساد
كما لا يتعين على مثل هذه الشركات الإبلاغ عن أنشطة مريبة إلى مكتب غسيل الأموال في سويسرا. وفي الماضي دفع الإبلاغ عن ذلك مكتب النائب العام السويسري إلى فتح تحقيقات في عمليات فساد في الهيئة العالمية لكرة القدم "فيفا"، وعلاقات مصرفية في فضيحة رشاوى شركة بتروبراس البرازيلية. وقال جون كاسارا، وهو عميل خاص سابق في وزارة الخزانة الأميركية، ومؤلف كتب حول عمليات غسل أموال، إن "تجارة الذهب تشكل جزءاً ضخماً من الاقتصاد السويسري ولم يفاجئني عدم وجود جهود أكثر فعالية في سويسرا لتحقيق مراقبة أفضل لسوء استخدام هذه العمليات". وفي النصف الأول من هذه السنة تم استيراد 1357 طناً مترياً من الذهب -تساوي حوالي 40 مليار دولار- الى سويسرا، بحسب مكتب الجمارك السويسري، ما وضع هذه السنة على المسار الأكبر منذ عام 2013 الذي كان قياسياً.وأصدر وزير الخارجية السويسري للتمويل الدولي تقريراً في شهر ديسمبر الماضي حول صناديق الإيداع الآمن وخطر سوء استخدامها في عمليات غسل الأموال والإرهاب. ولم تذكر الغرف العسكرية المحصنة السابقة في التقرير. وعندما سئل متحدث عن تلك الغرف قال "نحن لم نجد أي دليل ملموس على جانب جنائي من طبيعة جهازية، ولكن هذا قد يكون موضوعاً في المستقبل".ويوجد طبعاً الكثير من الأسباب المشروعة للتحقيق في الذهب. فقد ارتفع سعر ذلك المعدن بنسبة 25 في المئة منذ نهاية سنة 2015. كما ارتفع وزن الطن للأصول بالذهب في صناديق تبادل الصرف بنسبة 39 في المئة في هذه السنة، بحسب معلومات جمعتها "بلومبرغ".تمويل الإرهاب
وحتى في هذه الحالة فإن Financial Action Task Force، وهي منظمة حكومية دولية تعمل على تحديد مقاييس مكافحة غسل الأموال حذرت في تقرير أصدرته في سنة 2015 من خطر استخدام الذهب من قبل مجرمين في عمليات تمويل الإرهاب أو غسل الأموال. وقال كاسارا "ربما يتعين إخضاع الذهب لعملية الإبلاغ".وذكر ويبفلي ان سويس داتا سيف تدقق أيضاً في زبائن محتملين وسترفض "من لا تشعر بارتياح نحوهم". وتقبل الشركة زبائن شركات ولكنها تصر على معرفة مالك الشركة، وهو شرط يمضي الى أبعد من قوانين الجمارك الفدرالية الأكثر ليونة التي تحكم الموانئ الحرة المثيرة للجدل في سويسرا، حيث يتم تخزين اللوحات الفنية والقطع القيمة الأخرى.وتصر شركة ويبفلي أيضاً على فحص البضائع التي تدخل الى مستودعاتها. وقال إن ذلك يميزها عن الشركات التي لا تطرح أسئلة عن سلع صناديق الإيداع الآمنة التي ازدهرت في كانتون تيسينو على بعد 100 ميل جنوباً.