هذا ما يبدو عليه حال سوق النفط في سنة 2016، إذ تتركز أنظار التجار والمستثمرين على حد سواء بقوة في الآونة الأخيرة على ما سوف يفضي إليه اجتماع منظمة أوبك في الجزائر من تحول في أسعار النفط.

وقد تعهدت الدول الأعضاء في هذه المنظمة بتحقيق خفض في انتاج الخام وذلك لأول مرة منذ 8 سنوات على الأقل، كما أن أنظار منظمة أوبك كانت تتركز بقوة مماثلة على ما يحدث في حقول الزيت الصخري الوفيرة من حوض بيرميان في تكساس الى تشكيلات باكن في سهول داكوتا الشمالية حيث تستعد شركات الاستكشاف لحفر المزيد من الآبار.

Ad

وقد مثل اعلان الجزائر أكثر من مجرد كتاب نوايا، وقال الأعضاء الـ 14 في منظمة أوبك إنهم سوف يقلصون انتاج النفط بكمية تتراوح بين 240000 الى 740000 برميل في اليوم من مستواه في الوقت الراهن الذي يبلغ 33.24 مليون برميل يومياً. وكانت تلك الرسالة كافية من أجل دفع سعر برميل النفط الى الارتفاع بنسبة وصلت الى 5 في المئة، ولكن منظمة أوبك على الرغم من ذلك عمدت الى تأجيل تنفيذ هذا الخفض البسيط في الانتاج حتى موعد انعقاد اجتماعها التالي المقرر في الثلاثين من شهر نوفمبر المقبل – ولعل ما هو أكثر أهمية من ذلك هو تأجيل الهدف الحساس والمسبب للخلاف والذي يتعلق بمن سوف يخفض الانتاج والكمية المطلوبة لتحقيق تلك الغاية.

مواقف البنوك

واللافت أن محللي البنوك لم يكترثوا بشدة بهذا التطور، كما أن سيتي غروب أصدر تقريراً الى المستثمرين تحت عنوان «منظمة أوبك تدفع الكرة الى الطريق من جديد»، أما تقرير بنك باركليز فجاء تحت عنوان «منظمة أوبك تعمل لحفظ ماء الوجه وتؤجل القرار الى شهر نوفمبر المقبل».

في غضون ذلك – وفي الولايات المتحدة – عمدت شركات حفر الزيت الصخري التي تريثت وخفضت انفاق رأس المال مع هبوط أسعار النفط الى عدم التسرع في اعادة النشاط الى عملياتها من جديد فيما تمكنت من ايجاد طرق بديلة من أجل تحقيق المال عند أسعار معتدلة الى حد ما. وتستعد هذه الشركات للقيام بمزيد من عمليات الحفر في حال شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بطريقة مستدامة، ثم إن عدد منصات حفر الزيت الصخري، على الرغم من بلوغها ربع مستوى الذروة الذي حققته في سنة 2011، قد عادت الى الرقم 511 مرتفعة بـ 107 منصات منذ وصولها الى النقطة الأدنى في شهر مايو، بحسب معلومات صدرت عن عملاقة الحفر بيكر هيوز.

وفي رسالة عبر البريد الالكتروني، قال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير تاتشرال ريسورسز»، التي تعتبر واحدة من أكبر شركات الزيت الصخري، إن الشركة قد أضافت في الوقت الراهن 5 منصات حفر جديدة وسوف تقوم باضافة 6 منصات اخرى في سنة 2017 بحيث يصل المجموع الى 23 منصة.

ومضى شيفيلد الى القول بأنه يتوقع أن يصل انتاج النفط في الولايات المتحدة – الذي هبط بنسبة 1.1 مليون برميل في اليوم من مستوى الذروة الى حالة «استقرار» خلال النصف الأول من العام المقبل ثم يبدأ بالارتفاع من جديد في النصف الثاني.

ويمكن القول – بشكل فعلي – إن سوق النفط في الوقت الحالي يتمتع بإثنين من المنتجين المقررين والمسيطرين لديهما القدرة الجيولوجية والمالية من أجل زيادة أو خفض الانتاج. ويذكر أن المنتج المسيطر التقليدي – المملكة العربية السعودية – كانت طوال وقت طويل ترفع أسعار النفط عن طريق خفض انتاجها من الخام، ولكن المملكة عمدت خلال عامين الى ضخ النفط عند مستويات عالية في محاولة تهدف الى التمسك بحصة سوقية، وهي تأمل أن تبقي الاستهلاك العالمي عند معدلات عالية، وبالتالي ابعاد المنتجين من خارج منظمة أوبك عن مشاريع الاستكشاف المكلفة.

المنتجة المسيطرة الأخرى

الجهة المنتجة المسيطرة الاخرى هي صناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة الأميركية، ومن المعروف أن الشركات في تلك الصناعة على استعداد لإضافة مزيد من الإنتاج في كل مرة تبدأ فيها أسعار النفط بالارتفاع.

ويقول أنطوان هاف، وهو مسؤول رفيع سابق لدى وكالة الطاقة الدولية ويشغل الآن منصب زميل في مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، إن «الزيت الصخري على الرغم من أنه يشكل تحدياً بطريقة مؤثرة لمنظمة أوبك في الأجل القصير إلا أنه لا يستطيع الاستمرار بشكل جيد في ظل الوقائع الجديدة».

ولم يكن الاستقرار والتوازن من سمات أسواق النفط على الاطلاق، كما أن تأثيرات تغيرات الأسعار تتأخر بسبب الوقت الذي تحتاج اليه الاستثمارات من أجل اظهار نتائج في عمليات الإنتاج. والتباين الصغير نسبياً – ما بين 2 في المئة الى 5 في المئة من الأسواق العالمية – يمكن أن يولد تغيرات ضخمة في الأسعار نظراً لأن المستهلكين لا يستطيعون الاستغناء عن النفط، وخلال العقد الماضي راوحت الأسعار بين أقل من 30 دولاراً وأكثر من 100 دولار للبرميل.

وعلى أي حال، يعتقد العديد من المحللين الآن أن الأسعار يمكن أن تستمر عند 40 دولاراً الى 55 دولاراً للبرميل بسبب التعديلات التي نجمت عن توجهات منظمة أوبك وشركات الزيت الصخري الأميركية، وهذه أنباء جيدة بالنسبة الى سائقي السيارات الأميركيين والميزان التجاري في الولايات المتحدة التي لاتزال تعول بشدة على النفط المستورد.

تجاوز الاستهلاك العالمي

وقد تجاوز الإنتاج العالمي في هذه السنة مستويات الاستهلاك البالغة 97 مليون برميل في اليوم، فيما تنتظر المملكة العربية السعودية ومنظمة أوبك أن يتحسن الاستهلاك، ولكن ذلك قد يتطلب وقتاً أطول من المتوقع. وقالت وكالة الطاقة الدولية في آخر تقرير شهري لها إن أعمدة «نمو الطلب – وخاصة الهند والصين – تتذبذب وقد ارتفع مخزون النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى مستويات لم نشهدها من قبل».

ويثير اجتماع الجزائر السؤال التالي: هل ضمنت المملكة العربية السعودية حصتها السوقية، ونجحت في ابعاد المنافسين من خارج منظمة أوبك عن مشاريع جديدة؟

ويقول هاف إن السياسة السعودية منذ شهر نوفمبر سنة 2014 «كانت منطقية تماماً، وسجلت قدراً من النجاح»، كما أن المملكة والعراق والجارات الأصغر في الخليج العربي «استعادت بعضاً من حصتها السوقية وحددت أرضية للأسعار»، ولكن نجاحها كان بطيئاً ومحدوداً ويظل هشاً كما أن السعر هبط الى نصف ما كانت تستهدفه».

وقال شيفيلد من «بايونير» إن المملكة العربية السعودية «نجحت في وقف انتاج الزيت الصخري في الولايات المتحدة»، وقد هبط انتاج الخام الأميركي من مستوى الذروة البالغ 9.6 ملايين برميل يومياً في شهر يونيو من عام 2015 الى مستواه الحالي البالغ 8.5 ملايين برميل وذلك بحسب ادارة معلومات الطاقة الأميركية، وبعد سنة 2008 عندما انتشرت تقنية حفر الزيت الصخري على نطاق واسع ارتفع انتاج الولايات المتحدة الى حوالي 4.5 مليون برميل يومياً.

وأضاف شيفيلد أن انتاج النفط الأميركي في الوقت الراهن «سوف ينمو بوتيرة أبطأ»، وأنه ما دام سعر النفط عند حوالي 50 دولاراً الى 55 دولاراً لبرميل فإن مشاريع الاستكشاف الجديدة وخاصة مشاريع المياه العميقة» يجب ألا تتقدم «، ولكنه قال إنه عند ارتفاع السعر فوق 60 دولاراً «سوف نعود الى الحلقة ذاتها من جديد».

وحتى عند الأسعار الحالية يستمر الانتاج من خارج منظمة أوبك بشكل جيد، وقد لاحظ شيفيلد أن النرويج عكست سنوات من هبوط انتاجها وهي تنتج في الوقت الراهن عند المستويات العالية التي كانت عليها في سنة 2011، كما أن «امداد روسيا وصل الى حافة نمو جديدة».

ومن شأن هذا كله أن يعقد الأمور بالنسبة الى منظمة «أوبك» التي كانت تتحكم في أسعار النفط الخام بدرجات متفاوتة من النجاح منذ فترة الحظر النفطي في سنة 1973.

وقال ادوارد مورس وهو رئيس بحوث السلع العالمية في سيتي غروب: «من يظن أن هذه يشكل عودة الى أوبك القديمة يتعين عليه أن يفكر بجدية أكبر في الظروف الجديدة لعالم يعج بالزيت الصخري وبنمو أدنى في الطلب».

وأضاف: «اذا وصلت أسعار النفط الى 55 دولاراً للبرميل أو أكثر من ذلك فسوف نشهد نمواً في انتاج الزيت الصخري من جديد، واظن أن المملكة العربية السعودية تفهم ذلك وتضع حدوداً لما يمكن أن تقوم به منظمة أوبك. ولست أظن أن السعودية تقول: نحن سوف نعود الى دور البنك المركزي للنفط، وهي تسعى الى تحقيق الحد الأعلى من العوائد».

محنة «أوبك»

ويرى مورس أن أسعار النفط البالغة ما بين 50 دولاراً و60 دولاراً سوف تكون كافية من أجل تحفيز منتجي الزيت الصخري على العودة بقوة الى مسار نمو ايجابي وربما الى نقطة ليس الى زيادة الانتاج بمعدل مليون برميل في اليوم لسنة واحدة بل لرؤية نمو مستدام لعدة سنوات – وبالتالي اكتساب حصة سوقية على حساب منظمة أوبك.

وأضاف أن «هذه هي المحنة التي تواجهها منظمة أوبك في عصر الزيت الصخري، واذا قامت المملكة العربية السعودية بدور أكثر نشاطاً فإن تأثير السعر سوف يقتصر على الأطراف الصغيرة اذا لم تكن راغبة في فقدان الكثير من حصتها السوقية لصالح الزيت الصخري».

وقد أثار اجتماع الجزائر أيضاً مسألة ما اذا كانت منظمة أوبك قادرة على تحقيق أول خفض في إنتاج النفط منذ الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 عندما خفض الركود الاقتصادي العالمي بشدة الطلب على النفط، وقالت منظمة أوبك إنها سوف تعيد احياء حصص الدول ولكن في آخر مرة حاولت فيها القيام بفرض حصص أثارت عداوات قديمة واحتياجات اقتصادية مختلفة على نطاق واسع.

وتهدف إيران، وهي منافسة السعودية، وقد تأثرت بالعقوبات الاقتصادية، الى تحسين انتاجها من النفط ليصل الى 4 ملايين برميل يومياً أو ما يعادل 12 في المئة من إنتاج منظمة أوبك مرتفعة عن مستوياتها الحالية البالغة حوالي 3.8 مليون برميل، كما أن العراق الذي يحارب تنظيم داعش الإرهابي ويعمل لإعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب لا يريد أيضاً خفض انتاجه من النفط.

وتسعى فنزويلا وليبيا ونيجيريا الى استعادة مستويات الإنتاج التي تعثرت نتيجة النزاعات السياسية على الرغم من عدم وجود مؤشرات على قدرة أي منها على استعادة الاستقرار الداخلي.