ماني دافع حسابكم...
الأخطر من زيادة سعر البنزين هو طريقة التعاطي مع موضوعها بتردد وخفة، هذا أمر هين غرقتم فيه، فماذا ستفعلون في الأصعب؟ وهذا ما يخيفنا الآن أكثر، أظن وليس كل الظن إثماً، أن أصحاب القرار يعانون بطء استيعاب وتركيز قد يرجع سببه إلى انفصالهم عن الواقع، وعلى رأسهم السيد حامل أمواس الدولة معالي وزير المالية المحترم، فما بين النظري الذي يقرأونه في التقارير والميزانيات وبين العملي الذي يسمعونه من النواب التائهين الخائفين من الانتخابات القريبة تاه صاحب القرار في قراره، فالأوراق وأسعار النفط تدعو إلى الإصلاح الاقتصادي والترشيد، وهو ما يفترض أنه مطلب ملح وضروري حتى في حالة عدم وجود عجز كبحاً للتضخم والنمط الاستهلاكي الجامح، وفي المقابل أغلب النواب الحاليين يعانون ثقلين يقيدانهم، ما بين ثقل جهلهم المدقع والواضح بالاقتصاد والمحاسبة والمالية العامة والإدارة وحتى السياسة التي يفترض أنهم نخبتها، وبين ثقل نظرتهم للنواب السابقين وسلوكهم وكأنهم النموذج الطبيعي للتطور والعمل السياسي، حيث يظنون أن واجبهم الاحتذاء به بكل مفاهيمه وأساليبه العقيمة لتحقيق الفوز في الانتخابات، فتاهت الحكومة الحكيمة التي بيدها القرار، وتوّهت المصلحة العليا معها ما بين رغبتها في الإصلاح الاقتصادي، وإرضاء نوابها الذين يقلدون نواباً أسوأ منهم أصلاً مع فارق الألقاب والصرخات، في الوقت نفسه.ما فاتكم هو المنطقة الوسطى بسبب بعدكم عن الأرض ربما، أو لرغبتكم في الحفاظ على مميزاتكم ووضعكم الخاص، فالناس لن ترفض الإصلاح الاقتصادي وزيادة أسعار البنزين ما دام ذلك يحقق مصلحتهم ومصلحة وطنهم على المدى البعيد، فهم ليسوا أنانيين لهذه الدرجة، أو لا يقدرون مصلحة بلدهم مثلكم أنتم أيها الفاهمون الكبار، فهم لم يعترضوا على الزيادة سنة 1999 حين كانت الرواتب أقل والزيادة أكبر وحاجة بلدهم أكثر، لكن الاعتراض في حقيقته اليوم منصب على ضياع الأولويات وتوزيع المزايا والإسراف في أماكن أخرى، وإن كان تفريغ الشحن يتم تحت عنوان زيادة البنزين، فلا تطالبني بزيادة لا تغطي أصلاً جزءاً من مصاريف العلاج التنفيعي بالخارج، أو رواتب أبنائكم في المناصب القيادية بمميزاتها ومكافآتها ورحلاتها، أو صفقات الأسلحة، والمناقصات المبالغ فيها، وغير ذلك الكثير المكرر، ثم تريد أن تتفضل بكوبون، نحن على استعداد للتضحية كما تعودنا ولسنا بحاجة لسبعتكم، ولكن لا نريد أيضاً أن نكون أضعف حلقة، نود أن نبدأ بكم أو معكم على الأقل حتى نصدق رغبتكم الإصلاحية، إذا دخلت صالون الحلاقة مع طفلك الصغير فإنك تحلق رأسك قبله ليطمئن ويرتاح، ووزير ماليتنا الموقر بشرنا بـ"الموس على كل الروس" ولم نمانع، لكن بعدها خلاني مع الحلاق بروحي وراح يركض "مع" اللي كسر المنظرة...