رحلت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد عن عمر يناهز التسعين عاماً، بعد عزلة اختيارية عن الحياة الثقافية والسياسية دامت لسنوات...خاضت الراحلة معارك عدة للدفاع عن مصر وحضارتها وشعبها، أبرزها قضايا هضبة الأهرام، ودفن النفايات، والدفاع عن قبة الحسين، وعن الآثار الإسلامية، فضلاً عن قضية أبي الهول، وقضية الآثار المصرية التي استولت عليها إسرائيل أثناء احتلالها سيناء.
ولدت فؤاد في مغاغة بمحافظة المنيا. حفظت القرآن الكريم في طفولتها ثم انتقلت إلى ضاحية حلوان في القاهرة لتلتحق بالمدرسة الثانوية الداخلية للبنات في حلوان وتخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة حيث نالت درجة الماجستير في أدب المازني، وحصلت على رسالة دكتوراه عن «النيل في الأدب العربي»، ولها عبارة مهمة تقول فيها: «شيء كبير أن يكون للإنسان قلم ولكن شيئ نفيس أن يكون للإنسان موقف، ومن نعم الله عليّ أن وهبني الكلمة والقرار. أعني القدرة على الاختيار الصعب، فعرفت المواقف، وتحملت في سبيل مواقفي الكثير وعلوت على الإغراءات والعروض والمناصب والبريق».
كتب وقضايا
عندما أعلن الرئيس المصري الراحل أنور السادات إقامة مشروع سياحي ضخم لملاعب الغولف عند هضبة الهرم، قاومته فؤاد بشدة معلنةً رفضها داخل مصر وخارجها خوفاً من تأثير المياه والرطوبة على الآثار، وأقامت دعوى قانونية ضد رئيس الجمهورية عندما كان ذلك في نظر البعض نوعاً من العبث، فلم تهدأ إلا مع تراجع السادات عن قراره، وسميت القضية حينها بمعركة «هضبة الأهرام». كذلك كانت قضية دفن النفايات النووية النمساوية في الصحراء المصرية إحدى أبرز المعارك التي تصدت الكاتبة الكبيرة لها، ونالت نصيباً من ثورتها وهي تكتب على صفحات الجرائد وترسل الأوراق للمحاكم الدولية رافضة المشروع الذي قبلته الحكومة المصرية، حتى تعلن حكومة النمسا التراجع عن الفكرة.وتقترب مؤلفات نعمات أحمد فؤاد الأدبية إلى الأربعين كتاباً من بينها «أزمة الشباب»، و«الأدب والحضارة»، و«أم كلثوم وعصر من الفن»، وتقول عنه: «عند انتهائي من كتابة هذا المؤلف الذي لم أكتبه كسيرة ذاتية فقط ولكن كتأريخ لعصر شامل، ذهبت إلى الست أم كلثوم كي أعرضه عليها قبل طبعه، فقرأته ونال إعجابها ولكنها تحفظت على بعض نقاط وردت فيه أذكر من بينها ما كتبته عن مكانتها وقت كانت منيرة المهدية سلطانة الطرب. ولكن احتكمنا إلى شاعر الشباب أحمد رامي فجاء في صفي».وفي «الجمال والحرية والشخصية الإنسانية في أدب العقاد» تحدثت عن شخصية هذا المبدع الذي تملأ الكتب غرف منزله حيث كان يعيش بمفرده بلا زوجة تؤنس وحدته، وهو ما عبرت عنه بقولها: «وكأنه منذور للمعبد... فقد وهب نفسه للكتابة ووهبت نفسها له» .وفي كتاب آخر بعنوان «من عبقرية الإسلام»، تقول في مقدمته: «كم قرأت لأكتب هذا الكتاب عن الإسلام، كم تأملت وكم تمليت، كم وعيت وكم استوحيت، وبعد هذا كله جاء مجرد لمحة من نوره ونفحة من هداه». وتذكر في موضع آخر عن شخصية المجتمع في الإسلام: «إذا ضممنا آيات الشورى في القرآن إلى آيات المجادلة الحسنة، فإننا نلمح حض القرآن على وجوب دور الرأي العام، وأن الرأي العام نفسية له رقابة بمعنى أنه إذا صلح هذب الآحاد والجموع وإذا فسد وتقاعس فسد المجتمع، ووسيلة المجتمع إلى إيجاد مجتمع فاضل هو الحياء والاستتار، فالحياء قيد اجتماعي، والاستتار حصر للشر».شخصية مصر
نعت الأوساط الثقافية والفنية والسياسية نعمات أحمد فؤاد مؤكدة أنها تمثل «شخصية مصر»، وهو عنوان أحد مؤلفاتها المهمة. وقال وزير الثقافة المصري حلمي النمنم إنها كانت كنزاً معرفياً وقدمت إسهامات أدبية وكتابية مهمة عدة أبدعتها في مشوارها الطويل».وكشف الكاتب عمر طاهر عبر تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» عن سر احتفاظها بقالب من الطوب في خزانة ملابسها بقوله: «كنت أحاورد. نعمات أحمد فؤاد في بيتها ولفت نظري بين تحف زيّنت خزانة فرنسية في صالون بيتها قالب طوب أحمر عادي متآكل. سألتها عنه فقالت: «أيقظتني ذات يوم مدبرة المنزل وأخبرتني أنهم يهدمون بيت أم كلثوم. أسرعت إليه آنذاك، وكل ما استطعت أن أحافظ عليه منه كان قالب طوب... رحمها الله».شغلت الراحلة مناصب مهمة عدة من أهمها، مدير عام المجلس الأعلى للثقافة، وأستاذة الدراسات العليا بجامعة حلوان لمادة فلسفة الحضارة، وأستاذة في المعهد الدولي للاقتصاد والبنوك الإسلامية التابع للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية.كذلك أعطت دروساً في جامعات دول عدة: إسطنبول، وجامعة نيويورك، وجامعة جورج تاون بواشنطن، وجامعة طرابلس بليبيا، وجامعة الأزهر الشريف، وأكاديمية الفنون في القاهرة.