تأثير وسائل التواصل الاجتماعي يضرب عميقا في الهياكل الاجتماعية، ويمكن ملاحظة مظاهر ذلك التأثير من خلال التغير في بعض الأدوار الاجتماعية وتحديداً الصورة النمطية للأنثى في المجتمع الكويتي. فقد تمدد هامش الحرية بحيث مكن الإناث من التعبير عن أنفسهن على نحو غير مسبوق، وعلى الرغم من أن مشاركة الفتيات للصور في مجتمع ما زال يتعثر في خطوه نحو المدنية هو في وجه من وجوهه تحرر من سلطات بالية إلا أنه يرسم نماذج مختلفة للمرأة بعضها يتعلق بالأدوار الاجتماعية ذاتها، وذلك أمر على قدر كبير من الحساسية.

المثال الفاقع على ذلك يتمثل في ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بتنامي ظاهرة الفتيات الذهبيات اللاتي سُمّين محلياً "الفاشينستا"، وهن رهط من الفتيات يظهرن في أحلى زينة ويعرضن أنفسهن في أبهى حلة في مختلف الفعاليات، ولا تمتلك معظم هذه الفتيات من موهبة سوى ملاحقة الموضة والأزياء والمكياج وكل ما يتعلق بجماليات الجسد.

Ad

والمصطلح ليس دقيقاً تماماً، لأنه باللغة الإنكليزية بحسب قاموس ماريام وبستر يعني من يشتغل بالموضة والتصميم ويتخذها حرفة له أو لها، ولكن المسمى في ساحتنا المحلية غدا تعريفا للفتيات الأنيقات اللاتي يعرضن أجسادهن وهيئتهن ويتقنّ إلى حد كبير لغة الجسد واستعراض فورة الشباب والإغواء، وإلى الدرجة التي يكون فيها القماش والحذاء والعطر والحقيبة كلها مكرسة لاستدراج النظرات الساخنة.

إن سطوة الصورة في واقعنا جعلت فتياتنا يتماهين مع أشقى نماذج الخضوع إلى لعنة الصورة، والتي تقترن بأسطورة نرسيس التي هي قبل كل شيء شخصية سخيفة وسطحية، وتجسد تفاهة حب الذات، فقد انشغلن، كما نرسيس، بصورتهن ونظرن إليها على أنها المقياس لكل شيء، ولكن الأشد بؤسا أنهن خضعن للتشيؤ فتحولن إلى محض سلعة منزوعة الإنسانية والمشاعر، سيدها قانون العرض والطلب.

قدم الفيلسوف الألماني كانط تعريفاً للغطرسة بقوله: "إنها طلب لا مبرر له من الآخرين أن يعدوا أنفسهم أقل شأناً منه، وتلك حماقة ترتد على صاحبها"، والفكرة تتمثل بأنه عندما يعبر أحدهم عن ذلك، أو يبدي قدراً ضئيلاً منها، فإن الآخرين تلقائياً يبدؤون بازدرائه، فالغطرسة هي من أسوأ العيوب البشرية.

برهن الانجذاب الغريب للصور أن مثلنا العليا هي أكثر هشاشة مما نعتقد، وأننا نتقبلها بالطريقة التي تُقيِّم فيها نفسها دون تمحيص وتدبر، وهذه السطوة القوية للصورة، هي ما دفع ظاهرة تشيؤ المرأة إلى حدودها القصوى، وسيكون كارثة اعتبار ذلك مقياسا للأنوثة.