شاركنا يوم الجمعة الماضي في أداء صلاة الجمعة على أراضي البيوت المهدومة في قلنديا البلد، مع أصحاب البيوت والمتضامنين معهم.11 بناية تم هدمها في ليلة واحدة على يد جيش الاحتلال بحجة عدم الحصول على التراخيص ففقدت 36 عائلة، كانت تقطن في ست وثلاثين شقة، بيوتها، وفقد أطفالها السقف الذي يغطيهم والمأوى الذي كان يحميهم.
قلنديا فقدت من قبل الكثير من أراضيها على يد المستوطنات والمصانع العسكرية المقامة على أرضها، ثم فقدت مزيداً من الأراضي للجدار الذي رفع في وجهها، والآن تهدم بيوتها، سواء كانت فيما يسمى مناطق (ج) أو القدس دون رحمة أو احترام للقوانين الإنسانية.وذلك هو التطهير العرقي بلحمه ودمه، الذي حاول نتنياهو التغطية عليه بالادعاء أن المستوطنين سيتعرضون له إن أخليت المستوطنات غير الشرعية التي أقاموها بالقوة على أراض مسروقة من الفلسطينيين. وللمفارقة ففي الوقت نفسه الذي كنا نستمع خلاله إلى معاناة العائلات الفلسطينية التي فقدت كل ما تملك، وضاع شقاء عمرها ومدخراتها، وما زالت تئن تحت عبء ديون بناء بيوت لم تفرح بها، كان العديد من زعماء "العالم الحر" يتسابقون على الاحتفاء بشمعون بيريز وإسرائيل التي ساهم في بناء سلاحها النووي دون أن يقولوا كلمة واحدة عما تلحقه من احتلال أو ظلم أو تشريد متواصل بالشعب الفلسطيني.وإذا كان الاحتفاء ببيريز يعود لكونه حامل جائزة نوبل للسلام، فإننا لم نر أيا من هؤلاء يشارك في تشييع جثمان الشهيد الراحل ياسر عرفات رغم أنه حمل أيضا ذات جائزة نوبل للسلام وللسبب نفسه.شمعون بيريز شارك في نكبة ترحيل الشعب الفلسطيني قبل 69 عاما، وكان المسؤول عن تسليح الجيش الإسرائيلي بكل أنواع الأسلحة، بما فيها القنابل النووية التي يحاولون بكلام ملتوٍ إخفاء وجودها، وساهم في التخطيط للعدوان الثلاثي عام 1956 على مصر، وفي التحضير لحرب حزيران (يونيو) عام 1967، وما أسفر عنها من احتلال اقترب عمره من خمسين عاما. ويعتبره بعض الإسرائيليين أبا الاستيطان، وهو من رعى أول مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية على أراضي سبسطية، ومن ثم على امتداد الخط الأخضر وفي الأغوار ومحيط القدس ليكمل الليكود نشرها على رؤوس الجبال وفي كل أنحاء القدس والضفّة.ولا يستطيع الفلسطينيون أن ينسوا أن بيريز هو من أمر بقصف ملجأ الأمم المتحدة في قانا خلال عدوان 1996 على لبنان، فأودى بحياة مئة طفل وامرأة ومدني فيما اعتبر جريمة حرب لا تغتفر.وإذا كان اسمه قد ارتبط باتفاق أوسلو كمهندس له، فليس في ذلك ما يدعو للفخر، إذ إنه أوقع بدهائه الجانب الفلسطيني في اتفاق أبعد السلام الحقيقي ولم يقربه، وكرّس استمرار الاستيطان الذي يقر العالم بأسره أنه العائق الأول للسلام، وأبقى الاحتلال ليتحول إلى نظام الأبارتهايد والتمييز العنصري الأسوأ في تاريخ البشرية.نتنياهو استخدم دهاءه لينسف فرصة أتاحتها الانتفاضة الشعبية الأولى بتغيير ميزان القوى لإنهاء الاحتلال والاستيطان، وليفرض اتفاقا ظالما قسم الأراضي المحتلة إلى (أ) و(ب) و(جـ)، وأبقى السيطرة الإسرائيلية، وقسم صفوف الفلسطينيين واستبدل بالحل الحقيقي اتفاقا جزئيا انتقاليا دون وقف الاستيطان ودون القبول بقيام دولة مستقلة فلسطينية ذات حدود وسيادة وسيطرة على مواردها. عندما انتقدنا ورفضنا ذلك الاتفاق قبل 23 عاما، استغرب ذلك بعض أصحاب النوايا الحسنة وكثير من الواهمين.اليوم لا يمكن إنكار أنه كان اتفاقا استغله حكام إسرائيل لتكريس استمرار الاحتلال ورفع عدد المستوطنين من 111 ألفاً عام 1993 إلى سبعمئة ألف مستوطن اليوم، وللاستمرار في هدم المنازل وتشريد الفلسطينيين كما يجري في قلنديا.* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مقالات
بيريز والعدالة المفقودة في قلنديا
09-10-2016