يتساءل مَن يراقب الوضع في الكويت عن سبب ردة الفعل الشعبية القوية تجاه أي حلول لمعالجة الوضع الاقتصادي، رغم أن نسبة التعليم ومستوى الاطلاع في البلد عاليان، ويعلم أغلبية الكويتيين أن هناك انخفاضاً كبيراً في أسعار النفط يؤثر بشكل سلبي في دخل الدولة الذي يعتمد على تلك السلعة.

ما سبب ذلك يا ترى؟ بالتأكيد هو عدم ثقة الناس في بيانات وأرقام الحكومة، وعدم عدالة تحمل الأعباء العامة وتوزيع الثروة بين فئات الشعب المختلفة، والأهم هو عدم الجدية في محاربة عشرات ملفات الفساد وسرقة الأموال العامة على مدى الثلاثين عاماً الماضية من السلطتين التنفيذية والتشريعية.

Ad

فيما يخص تحمل الأعباء العامة وتوزيع الثروة، فإن القضية عنوان للتنفيع والمحاباة، فمساحات شاسعة من أملاك الدولة من الأراضي تمنح برسوم زهيدة، ليحقق منها المحظوظون أرباحاً طائلة، في حين تشارك الدولة الجمعيات التعاونية في أرباحها! والمناقصات العامة ترسى بمبالغ طائلة تفوق مثيلاتها بالمنطقة والعالم، ولا تنجز في الوقت المناسب والجودة المطلوبة، ولا يتم تسديد أي ضرائب للدولة ممن يجني ثروات طائلة من ذاك الإنفاق الحكومي.

في عام 2009، وقبل إقرار خطة التنمية المليارية من حصيلة الفوائض الضخمة التي تجمعت منذ تحقيق الميزانية العامة لفوائض متتالية منذ عام 1999، بشَّرنا وزراء ونواب، بأن 37 مليار دينار ستضخ في مشاريع تنموية كبيرة ستنعكس على السوق والبورصة، وستمكن المستثمر الكويتي من تحقيق عوائد توازي راتبه من البورصة والاكتتابات الجديدة! وأقرت الخطة وصرفت "بح"، ولم يشهد المواطن الكويتي أثراً لهذا المبلغ الضخم في بلده أو أسواقه أو بورصته.

كل ما جناه المواطن، أنه تم إقرار زيادات على الرواتب، نتيجة مطالبات وتحركات عمالية كانت تلحقها دائماً نسب تضخم عالية وارتفاع في الأسعار يلتهمان على الفور تلك الزيادات، وكذلك ارتفاع كبير في القيم الإيجارية للوحدات السكنية كانت له تداعيات اجتماعية سلبية على الأسر الناشئة والمحدودة الدخل، وكذلك على نسب الانحرافات والجريمة.

في الكويت كل شيء مغلق أمام المواطن الذي يسعى إلى زيادة دخله عبر الاستثمار، فالاحتكارات تسيطر على كل شيء، الأراضي محتكرة، لذا فإن الاستثمار العقاري شبه مستحيل للمواطن صاحب الدخل المتوسط والمحدود، والإنفاق الحكومي من المناقصات المليارية يتم عبر شركات غير مدرجة في البورصة، ولا يمكن أن يتم الاستثمار فيها أو تداول أسهمها، وبالتالي لا يمكن المشاركة في عوائدها وأرباحها.

وبعد ذلك تأتي الحكومة ومجلس الأمة ليطلبا من الكويتيين الذين "سكروا كل شيء بوجوههم" ليدعموا الميزانية العامة برفع أسعار الماء والكهرباء والبنزين، ورفع الدعوم عنهم في التموين، وتقليص البعثات الدراسية، ومراجعة الرواتب العامة وامتيازاتها، فيما تظل جماعة المناقصات وأراضي أملاك الدولة على حالها... وتتساءلون لماذا ردة الفعل الشعبية حيال زيادة أسعار البنزين قوية ومتواصلة!