لا تعرف موسكو طعم الراحة، ففي الشهر الماضي كان الكرملين يسعى إلى تحويل النقاش بشأن أوكرانيا بعيداً عن التدخل الروسي ونحو عدم الالتزام الأوكراني باتفاقات مينسك، وكان وزراء الاتحاد الأوروبي يخوضون نقاشات أولية بغية تحديد احتمال تعديل العقوبات المفروضة على روسيا أو تعليقها، أما في الشأن السوري فكان وزيرا الخارجية جون كيري وسيرغي لافروف يروّجان لفكرة الجهود الأميركية-الروسية المشتركة التي تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي لحرب سورية الأهلية وتعزيز التعاون الاستخباراتي بغية ضرب تنظيمَي "القاعدة" و"داعش". نتيجة لكل ذلك بدا أن بوتين يحقق النجاح في جهوده الرامية إلى إبراز دور روسيا بصفتها لاعباً دولياً في النظام الدولي وتجاوز التطورات المزعجة التي شهدتها السنوات القليلة الماضية.

توقع كثيرون أن نشهد تخفيفاً للعقوبات المفروضة على روسيا، وخصوصاً المالية منها، فضلاً عن حظر نقل الابتكارات التكنولوجية الضرورية لمشاريع الطاقة الجديدة، مما يسمح عام 2017 باستئناف عدد من المشاريع الكبرى الجديدة التي كانت قد أُرجئت، لذلك حذّر نائب الرئيس الأميركي جون بايدن نحو منتصف شهر سبتمبر من أن الوحدة الأوروبية الضرورية للحفاظ على نظام العقوبات مهددة.

Ad

لكن تطورين شهدناهما أخيراً لم يوقفا هذا الميل فحسب، بل سيعكسان على الأرجح أي مكاسب دبلوماسية يأمل الكرملين جنيها: الأول نشر تقرير هولندي يحمّل روسيا مباشرةً مسؤولية إطلاق الصاروخ الذي أدى إلى سقوط طائرة الخطوط الجوية الماليزية 17 فوق شرق أوكرانيا، فقد اتضح أن روسيا زوّدت هذا النظام وقد أُعيد إليها، صحيح أن الكرملين ما زال ينكر هذه الاكتشافات، إلا أن هذا التقرير أعاد مسألة دور روسيا في الصراع الأوكراني برمتها إلى وسط المسرح.

حتى قبل نشر خلاصة التقرير، كانت عمليات التقييم في الكواليس تشير إلى أن عدداً من الدول الأوروبية لم يكن راضياً عن استمرار العقوبات المفروضة على روسيا، إلا أنه ما من حكومة مستعدة لتحمل الضغط الذي يرافق التهديد بالاعتراض على تجديد رزمة العقوبات، ولا شك أن هذا الاحتمال تضاءل أخيراً، ومن المرجح أن يمدد الاتحاد الأوروبي مجدداً العقوبات ستة أشهر أخرى، أي حتى منتصف عام 2017.

بما أن عدداً من الانتقادات الحادة في هذا المجال يصدر عن المملكة المتحدة، فإن هذا يحد من احتمال أن تجني موسكو في نهاية المطاف أي فوائد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أمل كثيرون في البداية أن يتيح الخروج البريطاني، الذي يحرر المملكة المتحدة من الالتزام بعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على روسيا، لمدينة لندن أن تعود مرة أخرى وسيطاً مالياً أساسياً للشركات الروسية، التي ترغب في دخول الأسواق المالية الدولية، في حين تنجح الشركات البريطانية في التحايل على القيود الأميركية والأوروبية المفروضة على نقل الابتكارات التكنولوجية.

من الواضح أن روسيا كانت تعوّل على كسبها بعض التنازلات من أوروبا قبل وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض في شهر يناير، ولكن يبدو أن أوروبا ستصغي إلى دعوات إدارة أوباما المنتهية ولايتها التي تطالبها بالحفاظ على الوضع القائم في المسألة الروسية، لذلك بات على روسيا في الوقت الراهن أن تنتظر لترى ما إذا كانت مغامرتها الآسيوية الجديدة ستمنحها هامش المناورة الذي تسعى إليه.

* نيكولاس غفوسديف | Nikolas Gvosdev