قال محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، لـ "الجريدة": إن مدينة الموصل، أكبر مدينة سنية عراقية، قد تكون بعد تحريرها من "داعش"، أمام تصادم عسكري بين الأطراف المتناقضة، في حال لم يتم توسيع دائرة التفاهمات العراقية الداخلية، وأيضاً التفاهمات العراقية مع واشنطن والجهات الإقليمية وفي مقدمتها تركيا. ويقول النجيفي، وهو قيادي بارز وشقيق رئيس كتلة "متحدون" أسامة النجيفي، الرئيس السابق للبرلمان، إن الخلاف بين بغداد وأنقرة حول وجود قوات تركية قرب الموصل، هو بلا شك أمر يتعلق بمستقبل نينوى السياسي بعد تحريرها، ولا يخص شؤون السيادة أو الدور العسكري.
ويؤكد النجيفي أن هناك عنصرا جديدا دخل في المعادلة، "إذ إن الأتراك يريدون تصحيح خطئهم الذي يعود الى عام ٢٠٠٣"، موضحا في حديث مع "الجريدة" أن تركيا يومذاك لم تشترك في حرب ٢٠٠٣ بين الولايات المتحدة والعراق، وأبعدت نفسها عن الملف العراقي، ما أفسح المجال أمام بناء نفوذ إيراني يعرفه الجميع. ومن الواضح، حسب النجيفي، أن أنقرة تريد في معركة نينوى أن تصحح ذلك الخطأ القديم، بهدف بناء توازن مع النفوذ الإيراني على الأقل في منطقة شمال العراق.ويرى محافظ نينوى السابق، وهو يرأس قوة "الحشد الوطني" المكون من بضعة آلاف من المقاتلين تدعمهم البيشمركة الكردية وتركيا بالتدريب والإسناد، أن واشنطن التي تتصرف وكأنها غير متعاونة مع تركيا في هذا الملف، ترغب أيضا في الواقع بتصحيح الأخطاء وتقييد النفوذ الإيراني في مرحلة ما بعد "داعش".ويتحدث عن "أبرز عنصر في تصحيح الأوضاع العراقية"، قائلا إنه ببساطة "منح المحافظات دورا سياسيا وأمنيا أكبر" في إطار اللامركزية الواردة في الدستور، إذ سيكون هذا فرصة مناسبة "لمنح القطب السني دورا مماثلا للقطبين الكردي والشيعي، بمعنى منح السنة دورا حقيقيا وصلاحيات لتصحيح الأوضاع داخل مناطقهم التي تتخلص من داعش".وبالرغم كل هذه المعطيات الجوهرية يرى النجيفي أن من المؤسف عدم وجود حوار جدي مع أهالي نينوى ونخبتها، حول مستقبل مناطقهم، "مع أن كل الأطراف الدولية والسلطات في العراق يخوضون حوارات متواصلة حول الموضوع، فنادرا ما يجري إشراكنا نحن أهل القضية، في ذلك".ويمكن القول إن هناك ثلاثة تصورات أساسية حول مستقبل المحافظة بعد "داعش" حسبما يرى.فالتصور الأول تطرحه بغداد، وهي بسهولة تريد عودة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل اجتياح "داعش" للموصل صيف ٢٠١٤، أي أنه لن يكون هناك تغيير وبغداد تتصور أن أهل نينوى سيخضعون لنظام الحكم المركزي بالأخطاء التي ستتواصل، وستعود الحال الى ما كان عليه مع تغيير يخص الوجوه والقيادات فقط.لكن النجيفي يقول إن هذا يشبه استبدال القطار السابق بقطار آخر، من دون إصلاح السكة المليئة بالثغرات والمشاكل.التصور الثاني تطرحه المكونات الدينية والقومية التي تشعر بأنها أقلية في نينوى وتشكل نحو ٣٠ في المئة من سكانها، فهؤلاء يبحثون عن صيغ لحماية مناطقهم فقط، دون التعامل بشكل شامل مع أمن نينوى، أي إن كل طرف منهم يبحث عن أمن منطقته التي يوجد فيها.ويرى النجيفي أن هذا المشروع هو نوع من تجزئة نينوى أمنيا وإداريا لحفظ حقوق الأقليات، التي باتت لا تثق ببغداد ولا بالشركاء العرب ولا الأكراد، بل يثقون بالتحالف الدولي فقط.ويبدي إقليم كردستان حرصا شديدا على حماية الأقليات، لذلك فهو يتعامل مع هذا المشروع كخيار، إلا أن القيادات الكردية، حسب محافظ نينوى السابق، "تؤمن بمبدأ الأمن الشامل وتدرك أن استقرار الموصل بأكملها هو شرط لاستقرار المنطقة الواسعة التي نعيش فيها جميعا"، ولذلك فإن كردستان "تصغي باهتمام الى المشروع الثالث الذي نطرحه نحن"، وهو تأسيس إقليم نينوى استنادا لدستور العراق ومبادئ اللامركزية، وتأسيس محافظات داخل الإقليم هذا تحفظ للمكونات الدينية والقومية وضعها وتقدم لها ضمانات، وتعيد بناء الثقة داخل نينوى الكبرى وبالتالي داخل العراق.ويطلق النجيفي تحذيرا بشأن معركة الموصل التي تثير اهتمام كل الأطراف المسلحة، فجميعهم متفقون على طرد "داعش"، لكن لكل طرف تصوره وخطته الخاصة، "وحين تنتهي المعركة وتتحرر الموصل سيبدأ كل فريق بمحاولة تطبيق رؤيته، ومن المرجح أننا سنكون أمام تصادم عسكري بين تلك الأطراف".والأخطر في هذا الموضوع أنه لا توجد قوة عسكرية نظامية على الأرض لديها قدرة فض الاشتباك وضبط الأوضاع بين هذه الأطراف المسلحة وفق تقديراته، فهو يرى أن التحالف الدولي نفسه لم يبد التزاما واضحا بهذا الشأن، ويمكن أن ينسحب بمجرد أن تسير الأمور بنحو لا يرضيه، ولذلك فإنه على العراقيين بناء اتفاقات واضحة مع واشنطن تخص مرحلة ما بعد تحرير المحافظة، بل يمكن لبغداد أن تبني التزاما واضحا حتى مع القوات التركية يحدد مهامها بشكل دقيق وقانوني، ويحدد جدولا لانسحابها، كما يرى.
دوليات
النجيفي لـ الجريدة•: الموصل ذاهبة نحو اقتتال بعد «التحرير»
10-10-2016