المفترض أنه لم يكن مستغرباً ولا مفاجئاً أن يحبط الروس اجتماع مجلس الأمن الدولي، الذي عقد مساء أمس الأول (السبت) لإيجاد حل للأزمة السورية التي غدت أكثر تعقيداً من "ذنب الضب" لكثرة المتدخلين فيها، فهذا كان متوقعاً طالما أن روسيا غدت دولة محتلة لسورية، وأنها تماديا في إهانة الشعب السوري وانتهاك السيادة السورية أعطت لجنودها وضباطها الحصانة الدبلوماسية الكاملة، وكأنهم سفراء وموظفو سفارة، وليسوا جنود احتلال، مثلهم مثل جنود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية!

كان يجب أن تُثار هذه "المسألة"، مسألة الاحتلال العسكري الروسي الغاشم فعلاً لدولة من المفترض أنها مستقلة وذات سيادة وعضو في هيئة الأمم المتحدة، ورئيسها لم يعد صاحب قرار، بعدما أصبحت قاعدة "حميميم" هي المرجعية، وأصبح قرار هذه الدولة التي اسمها "الجمهورية العربية السورية"، وبالنسبة لكل شيء وكل صغيرة وكبيرة في الكرملين في موسكو، وفي يد فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.

Ad

منذ البدايات، عندما تم إحباط الضربة العسكرية الأميركية، التي كان البيت الأبيض اتخذ قرارها رداً على استخدام نظام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية والغازات السامة ضد المدنيين من السوريين الأبرياء، كان يجب أن يكون معروفاً للأميركيين والفرنسيين والبريطانيين، ولكل دول العالم المعنية، وأيضاً للعرب، الذين يصرون على وضع أصابعهم في آذانهم، وأكفهم على عيونهم تجنباً لمعرفة الحقائق، أن روسيا جاءت إلى سورية لتستعيد مكانة الاتحاد السوفياتي، عندما كان في ذروة قوته وجبروته، ولترد على اللكمات الموجعة التي وجهها إليها حلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، وفي جمهوريات البلطيق، وأيضاً في معظم دول أوروبا الشرقية.

ولذلك، ولأنه ثبت أن الحل بالنسبة لهذه الأزمة، التي بات يتكهن البعض بأنها قد تؤدي إلى مواجهة كونية شاملة، وإلى حرب عالمية ثالثة، لا يمكن أن يكون من خلال مجلس الأمن الدولي طالما أن روسيا هي إحدى الدول التي تتمتع بحق "الفيتو"، وإنما من خلال المعارضة السورية المسلحة، التي من أجل ذبحها والقضاء عليها اخترع الروس والإيرانيون ومعهم نظام بشار الأسد "داعش" و"النصرة"... وحكاية أن الأولوية يجب أن تكون للقضاء على هذه التنظيمات الإرهابية!

إن المفترض أن بعض المحيطين بالرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي هو كـ"البرْد" سبب كل علة، قد أدركوا، حتى قبل إفشال اجتماع مجلس الأمن الدولي الأخير، أن الحل الذي قد يحول دون المواجهة العسكرية الشاملة، ودون أن تصبح روسيا دولة عظمى تتحكم في الشرق الأوسط كله وبأوروبا الشرقية أيضاً، هو دعم المعارضة السورية وتزويدها بكل ما تحتاجه، وخاصة الأسلحة المقاومة للطائرات العسكرية الروسية، التي ستلحق الهزيمة بهذا الغزو الروسي لسورية، كما ألحقت صواريخ "ستينغر" الهزيمة بالغزو السوفياتي لأفغانستان.

إنه لم يعد ممكناً لا بالنسبة للولايات المتحدة، ولا بالنسبة للدول الأوروبية المنضوية في إطار حلف شمال الأطلسي، الركون للميوعة المعيبة التي اتبعتها إدارة الرئيس باراك أوباما تجاه أزمة اتضح، ومنذ البدايات، أنها ستتحول إلى صدام كوني، نظراً لأن روسيا رأت فيها فرصة للرد على اللكمات التي كان وجهها الأميركيون إلى أنف فلاديمير بوتين، وهذا هو ما ثبت وأصبح حقيقة مؤكدة بعد كل هذا الاجتياح الاحتلالي الروسي لسورية، وبعدما فشل مجلس الأمن هذا الفشل الذريع الذي يعني أنه لا تجوز العودة إليه بالنسبة لهذه المواجهة التي غدت كونية... وبـ"المرة"!