في الوقت الذي اكدت فيه ادارة الفتوى والتشريع في المذكرة التي رفعتها إلى وزارة الداخلية بناء على طلب الاخيرة حدود تطبيق التعديل الذي اصدره مجلس الامة بالقانون رقم 27 لسنة 2016 باضافة حالات الحرمان من الانتخاب والترشيح كشفت المذكرة حجم التخبط التشريعي في كيفية صياغة التشريعات وما حملته من قصور تشريعي استعصى على الجهات المعنية بالتطبيق بيان المقصود باحكام القانون.

ويأتي رد ادارة الفتوى والتشريع بناء على طلب فتوى من وزارة الداخلية بشان نفاذ تطبيق القانون الذي اصدره مجلس الامة واطلق عليه بقانون «العزل السياسي» لكونه موجها إلى مجموعة من السياسيين المحكومين بقضايا الاساءة إلى الذات الاميرية إلى ان الغاية والهدف التي اراد المجلس الحالي تحقيقها سقطت امام اول اختبار قانوني تكلفت ادارة الفتوى والتشريع وهي جهة قانونية تابعة لمجلس الوزراء بالتصدي له وليس حتى للمحاكم الادارية التي كان من المقرر ان يعرض لها امر النظر بالحالات التي قد تم حرمانها استنادا لنصوص هذا القانون «المشوه» من حيث الصياغة والمخالف دستوريا لتعارضه مع احكام الدستور!

Ad

وعلى الرغم من حسم ادارة الفتوى والتشريع في ردها على طلب الافتاء المقدم من وزارة الداخلية بشان نفاذ تطبيق احكام القانون رقم 27 لسنة 2016 وكذلك بشأن خلوه من تقرير حالات جديدة للحرمان من الانتخاب والترشيح لعبارة «ما لم يرد اليه اعتباره» مما يجعل الحرمان مؤبدا، الا ان وزارة الداخلية ممثلة بادارة الانتخابات لا تملك سوء الالتزام بحدود الفتوى الصادرة اليها من ادارة الفتوى والتي صدرت بناء على طلبها ومن ثم فهي ملتزمة قانونيا بحدودها وعدم الخروج على ما تضمنه من مفاهيم محدود القانون مما تقرره احكام المادة الثالثة من قانون انشاء ادارة الفتوى والتشريع بشأن تقديمها الرأي للجهات الحكومية.

قرارات إدارية

وبينما نصت احكام القانون رقم 27 لسنة 2016 على حرمان من صدرت بحقهم احكام بالادانة في جرائم الاساءة للذات الالهية والانبياء والذات الاميرية على ان تطبق احكام القانون من وقت نشره في الجريدة الرسمية، الا ان ذلك لا يمنع للمحاكم الادارية ان تنظر مستقبلا في شان الطعون التي تقام على القرارات الادارية التي تصدرها ادارة الانتخابات في حرمان عدد من المترشحين للانتخابات اذا ما ارادت التخلص من الفتوى الصادرة اليها من ادارة الانتخابات خصوصا وان تلك الفتوى بنظر المحاكم ادى تصديها للنزاعات المعروضة امامها مثل رأي لادارة الفتوى والتشريع ولكنه ليس حكما يفصل بالنزاعات حتى يحتج على المحاكم بها.

كما ان المحاكم الادارية قد تصدت للطعون التي تقام من عدد من الناخبين على قرارات وزارة الداخلية بالسماح لعدد من المترشحين وبطلب تطبيق احكام القانون رقم 27 لسنة 2016 باستبعادهم من الترشح وعندها ستتصدى المحاكم الادارية لاحكام القانون رقم 27 لسنة 2016 بشان اضافة حالات الحرمان من الانتخاب والترشيح لكل من يدان بجرائم الاساءة للذات الاميرية او للذات الالهية او الانبياء وعندها لن يكون للتفسير الذي اوردته ادارة الفتوى اي حجية على النزاع المطروح امام المحاكم الادارية ومن ثم يجوز للمحاكم عندها عدم الاخذ بها والحكم وفق ما تراه هي لان ما قررته ادارة الفتوى يبقى رايا تفسيريا لاحكام ومقاصد التشريع تلتزم به الجهات الحكومية وتحديدا طالبة «الافتاء» لكنه ليس بملزم للمحاكم كما انه لا يمثل اي قيمة تشريعية ويمكن اضافته إلى المذكرة التفسيرية للقانون.

وعلى الرغم من اجابة ادارة الفتوى والتشريع لتساؤلات وزارة الداخلية حول نفاذ تطبيق احكام القانون وكذلك خلو القانون من عبارة ما لم يرد اليه اعتباره الا ان ادارة «الفتوى» لم تجب عن تساؤل اهم وهو ما مدى حجية تطبيق احكام رد الاعتبار بالفقرة الاولى الواردة بالمادة الثانية من قانون الانتخاب التي ارتبط ورودها بالمادة الاولى فقط دون ان تنسحب لاحكام الفقرة الجديدة التي نص عليها القانون؟

وبعبارة اخرى نشير إلى ان احكام المادة الثانية من قانون الانتخاب تنص على انه «يحرم من الانتخاب عليه بعقوبة جنائية او في جريمة مخلة بالشرف او بالامانة إلى ان يرد اليه اعتباره».

حرمان من الانتخاب

فيما النص الحديث الذي تم اضافته وهو تضاف إلى المادة الثانية من القانون رقم 35 لسنة 1962 المشار اليه فقرة ثانية نصها الاتي «كما يحرم من الانتخاب على من ادين بحكم نهائي في جريمة المساس بـ: أ- الذات الالهية، ب- الانبياء، جـ - الذات الاميرية» ومن ثم فان النص الجديد للمادة الثانية من قانون الانتخاب اصبح كالاتي «يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية او في جريمة مخلة بالشرف او بالامانة إلى ان يرد اليه اعتباره كما يحرم من الانتخاب كل من ادين بحكم نهائي في جريمة المساس بـ: أ- الذات الالهيـة، ب- الانبياء، جـ - الذات الاميرية» ويلاحظ ان النص بعد اكتماله بعد التعديل الاخير بالقانون رقم 27 لسنة 2016 لم يتضمن بوروده ما لم يرد اليه اعتباره على الفقرة الثانية المضافة بل وردت تلك الفقرة فقط إلى احكام الفقرة الاولى من قانون الانتخاب بذكرها على حالات الحرمان لمن يحكم بعقوبة جنائية او بجريمة مخلة بالشرف او بالامانة ما لم يرد اليه اعتباره، فيما لم ترد هذه العبارة على حالات الحرمان الاخرى التي وردت بالتعديل الاخير وبالتالي فان القبول بان عبارة ما لم يرد اعتباره التي وردت بالفقرة الاولى تنسحب إلى الفقرة الثانية هو اجتهاد وقياس من ادارة الفتوى ومحاولة لمعالجة الخلل لكنه لا يعغالج الخلل التشريعي الذي يعتري في النص الصادر من خلوه لعبارة «ما لم يرد اليه اعتباره» ويجعل من حكم الحرمان من الانتخاب والترشيح بحرمان مؤبد لحقي الترشيح والانتخاب ارتكبه المجلس الحالي تجاه معارضيه بالتصويت على هذا القانون على نحو متسرع ومضر بالحقوق دون ادراك منهم لخطورة تلك التعديلات على الحقوق التي كفلها الدستور للافراد وحرم المساس بها الا بما يعمل على تطويرها والنهوض بها.

التوقيع بتعهد

ورغم تاكيد ادارة الفتوى في ردها على طلب الفتوى المقدم من وزارة الداخلية بشان نفاذ القانون على كل من يصدر حكم بادانته بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية الذي تم بتاريخ 29 يونيو من العام الجالي وان تكون الا انه نهائية باحدى الجرائم المنصوص عليها بالقانون مهما كانت العقوبة المقضى بها وحتى ولو كانت الغرامة او بتوقيع التعهد فانه وازاء عدم تضمن التعديل الصادر لعبارة ما لم يرد اليه اعتباره فان ذلك يعني منع كل محكوم بتلك الجرائم بعد نشر القانون من ممارسة حق الانتخاب او الترشيح مدى الحياة مهما كانت نوعية القانون الذي تم محاكمة الشخص عليه سواء وفق قوانين الجزاء او قوانين المطبوعات او المرئي والمسموع او جرائم تقنية المعلومات او الاعلام الالكتروني لكونها قوانين جزائية ايضا.

وقبل ذلك الحرمان القائم لا يمكن ازالته الا وفق اليتين الاولى ذهاب الحكومة او المجلس او من له مصلحة إلى المحكمة الدستورية للطعن على القانون الصادر بعدم دستوريته لمخالفته احكام المادة 80 و 82 من الدستور ومن هنا ياتي دور المحكمة الدستورية لبيان تطبيق عبارة ما لم يرد اليه اعتباره الواردة بالفقرة الاولى من المادة الثانية على الاحكام التي تقررها الفقرة الثانية المضافة للمادة الثانية بموجب التعديل الصادر لتؤيد بذلك ما ذهبت اليه ادارة الفتوى والتشريع في رايها فيما يكمن الحل الثاني وهو قيام الحكومة بطلب تعديل الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون الانتخاب وذلك باضافة فقرة ما لم يرد اليه اعتباره مع الاشارة إلى نفاذ القانون باثر فوري لضمان عدم تطبيق القانون باثر رجعي وذلك ان كانت الحكومة حريصة على تطبيق احكام القانون رقم 27 لسنة 2016.

كارثة تشريعية

وعلى الرغم من تناول تلك الحلول التي اثيرها الخلل التشريعي في محاولة لبيان اجد صور المعالجة له الا ان يتعين على الحكومة ومجلس الامة العمل على تدارك الكارثة التشريعية التي يقررها التعديل الصادر وفق القانون رقم 27 لسنة 2016 بزيادة حالات الحرمان من الانتخاب والترشيح لكل من صدر بحقه حكم في جرائم بالذات الالهية، والانبياء، والذات الاميرية لعدم حاجة المشرع الكويتي له والعمل على الاكتفاء بما ورد باحكام الفقرة الاولى الواردة بالمادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1962 والتي تقرر بانه يحرم من الانتخابات المحكوم عليه بعقوبة جنائية او في جريمة مخلة بالشرف او بالامانة إلى ان يرد اليه اعتباره.

حريات وحقوق

وفي ذلك يقول العلامة عبدالرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة المصري السابق في بحثه مخالفة التشريع للدستور والانحراف في استعمال السلطة التشريعية ان الحريات والحقوق العامة التي نص الدستور على تنظيمها بقانون، فقد سبقت الاشارة إلى ان المشرع قد خول في شانها سلطة تقديرية ليقوم بهذا التنظيم على ان لا ينحرف عن الغرض الذي قصد اليه الدستور، وهو كفالة هذه الحريات والحقوق العامة في حدودها الموضوعية، فاذا نقضها المشرع او انتقص منها، وهو في صدد تنظيمها، كان تشريعه مشوبا بالانحراف والسبب في ان التشريع يكون في هذه الحالة منطويا على انحراف لا مخالفا لنصوص الدستور هو ان المشرع هنا قد خول سلطة تقديرية لا سلطة محددة في تنظيم الحق العام وقد اساء استعمال هذه السلطة اذ بدلا من ان ينظم الحق نقضه او انتقص منه تحت شعار التنظيم.

حرمان مؤبد

ويضيف التصور إلى ان كل حق عام ويحل الدستور إلى المشرع تنظيمه بقانون، قد رسم الدستور للقانون الذي ينظمه غاية مخصصة لا يحوز الانحراف عنها هي تنظيم هذا الحق على وجه لا ينقص معه الحق ولا ينتقص».

وفي ذلك الحرمان المؤبد من ممارسة حق الترشح لمن هم حاصلين على الجنسية الكويتية بصفة اصلية وفقا للمواد ا و 2 و 3 من قانون الجسية وحرمان المتجنس من ممارسة حق الترشيح وهو مثال قد يتطابق مع حرمان من صدرت بحقهم احكام بالادانة بحرائم بالذات الالهية، والانبياء، والذات الاميرية» يقول الفقيه الدستوري د.عثمان عبدالملك الصالح في كتابه النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت ان المشرع الكويتي اخطا التوفيق فيما ذهب اليه من حرمان المتجنس من حق الترشيح لعضوية مجلس الامة حرمانا مطلقا ولمدى الحياة، ففضلا عن ردود الفعل والعقد النفسية التي تكون اثارها خطيرة على المواطن المتجنس وعلى البلد فان هذا الموقف من المشرع الدستوري فيه اهدار للمبادئ الديمقراطية لما يترتب عليه من تصنيف دائم للمواطنين في البلد الواحد إلى فئتين هي فئة سامية من المواطنين الكاملين الذين يتمتعون بكافة الحقوق السياسية وفئة ثانية من المواطنين الناقصين الذين لا يتمتعون بحق الترشيح والمشاركة في السلطة مدة الحياة.

ورغم ان الحرمان الابدي لهم فهو متجنس من ممارسة حق الترشيح ويقتصر على الكويتي بصفة اصلية منتقدا رغم وروده بالدستور الا ان حرمان المواطن الكويتي بصفة اصلية من ممارسة حق الترشيح والانتخاب معا على نحو مؤيد سيكون بمثابة سلب تشريعي للحقوق الطبيعية المقررة للاضرار بموجب الدستور وهو ما يسبغ على التشريع الصادر عيب الانحراف لمخالفته غاية التنظيم التي نص عليها الدستور الكويتي في احكام المادة 80 و 82 والتي قد تجاوزها المشرع العادي في تقييد في ممارسة هذا الحق.

كيف يطبق قانون العزل السياسي؟

• يطبق على المحكومين بجرائم الإساءة للذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية، ومن ثم فإن أي محكوم بتلك الجرائم بأحكام غير نهائية لا يمنع من الانتخاب او الترشيح، ويتعين أن يكون الحكم نهائيا وباتا، وغير قابل للطعن استقرارا للمراكز القانونية.

• يطبق القانون على من صدرت عليه أحكام نهائية بعد تاريخ 29/ 6/ 2016، وهو تاريخ نفاذ القانون ونشره بالجريدة الرسمية، حيث نص على أن يكون نفاذ القانون بمجرد نشره بالجريدة الرسمية من ينفذ العقوبة بتلك الجرائم، ومنهم النائب السابق مسلم البراك، أو من نفذها بالتعهد قبل صدوره كالنواب السابقين خالد الطاحوس وبدر الداهوم وفلاح الصواغ لا يطبق عليهم القانون، وفي المقابل سيتم تطبيقه على مرددي إعادة خطاب مسلم البراك حال انتهاء المحاكم بإصدار أحكام الإدانة بعد انتهاء القضية من جميع درجات التقاضي.

• سيتم تعامل إدارة الانتخاب مع حرمان المرشح أو الناخب وفق هذا القانون على أنه مانع من موانع الترشيح أو الانتخاب، وهذا المانع هو عقوبة تبعية لعقوبة أصلية ارتكبها هذا الشخص بارتكابه جريمة المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية، لأنه لولا إدانته بتلك الجريمة الأصلية لما تقرر حرمانه تبعيا من ممارسته هذين الحقين، وهما الانتخاب والترشيح.

• ستكون إدارة الانتخاب التابعة لوزارة الداخلية ملتزمة بمذكرة إدارة الفتوى والتشريع بعدم الحرمان إلا لمن صدرت بحقهم أحكام بعد نشر القانون، ولكن ذلك الإلزام لا يعني عدم إمكان حرمان الناخبين أو المترشحين إذا تم الطعن على قرارات ترشيحهم أو السماح لهم بالانتخاب أمام المحاكم الإدارية.

• عبارة «ما لم يُرد إليه اعتباره» التي خلا منها التعديل مازالت تطرح إمكان اعتبار الحرمان أبديا، وهو ما يتعين إما على المحكمة الدستورية إلغاء القانون بيان إمكان انصراف عبارة «ما لم يرد اليه اعتباره» الواردة في الفقرة الأولى الى الفقرة الثانية المضافة بالقانون، أو تعديله من قبل البرلمان.

الأثر الرجعي للقوانين احتيال نهى عنه الدستور

يقول عبدالرزاق السنهوري بشان الأثر الرجعي للقوانين إن الدستور المصري يحرص على احترام الحقوق المكتسبة، فهو لا يسمح بأن تمس في غير ضرورة، ومن ثم بقيت المادة 27 من الدستور، التي تطابقها المادة 179 من الدستور الكويتي من حيث مضمونها بألا تسري أحكام القوانين إلا ما يقع من تاريخ نفاذها، ولا يترتب عليها أثر في ما وقع قبله، ما لم ينص على خلاف ذلك بنص خاص، فجعل الأصل في القوانين أنها لا تسري على الماضي حتى لا تمس الحقوق المكتسبة واحترام الحقوق المكتسبة قاعدة تمتد جذورها الى أعماق القانون الطبيعي والمبادئ الأساسية للعدالة، حتى أن المادة السابق ذكرها لو لم تكن قد وردت في الدستور لوجب مع ذلك إعمال حكمها دون نص.

ويضيف السنهوري أن الدستور نص على العقوبة تكون قانونا ومن غير أثر رجعي، فإذا وضع القانون عقوبة على فعل معين وجب ألا يكون لهذا القانون أثر رجعي، ومن ثم لا عقوبة إلا على الأفعال اللاحقة لصدوره، بل لا يجوز بالنسبة الى العقوبة أن يتضمن القانون نصا على الأثر الرجعي، وإلا كان هذا النص باطلا لما نصه الدستور، وإذا احتال المشرع على هذا النهي الدستوري بقصد أن يتخطاه قاصدا تشريعا عاديا يخفي عقوبة، وجعل لهذا التشريع أثرا رجعيا بنص خاص يكون تشريعا مشوبا بالانحراف.

• حرمان المدانين من الانتخاب والترشح للأبد مازال قائماً لخلو النص من عبارة «ما لم يُرد إليه اعتباره»

• التعديل صنّف المواطنين فئتين أولاهما تمارس حقوقها كاملة والأخرى منقوصة

• الانتخاب من الحقوق العامة التي لا يجوز للمشرع نقضها أو الانتقاص منها