تتجدد ذكرى عاشوراء لتضرب موعداً مع الحسين بن علي (ع)، موعداً تشرئب له القلوب، وتتوق له الأرواح، وتتناعم معه الدموع، وتتباهى به الضمائر الحية، وتشتد به عزيمة المظلومين، وترتعد منه فرائص الظالمين، ويسترشد بهديه قوافل المضحين والشهداء والصابرين.تتجدد فاجعة كربلاء لتقلب معها الموازين الطبيعية، فمن عمق التاريخ يبرز الحسين (ع) إلى الحاضر والمستقبل، ومن بين السيوف والرماح يخرج هذا القتيل المضرج بدمائه منتصراً أبياً شامخاً ليتحدى الموت والفناء، ويرسم لوحة للخلود والبقاء، ويرتقي وجسده الشريف تحت الثرى عنان السماء، وكلما تقدم به الزمان زاد حضوراً ووضوحاً وجلاءً.
تتجدد واقعة الطف لتحمل معها إبداعات الحس الإنساني وتسطره ألوان الشعر والنثر بالقلم والخطابة، وتتناولها حداثة تقنيات التواصل الاجتماعي وبرامج التطبيقات الرقمية، وتحلق عالياً في فضاء القنوات الإعلامية، وبكل اللغات ومختلف اللهجات، من الصغير والكبير، ومن أساتذة الجامعات وعلماء الحوزات والمعاهد الدينية والثقافية، ومن الرجال والنساء، ومن العديد من الجنسيات والأمم والشعوب عبر جميع القارات.تتجدد قصة الحسين (ع) لتعكس للوجود آلامها المعاصرة وتترجم صور معاناتها وتستذكر همومها وشجونها، وتعيد آهات المظلومين وتذرف دموع الثكالى والأيتام، وتستنجد بذلك الذبيح منذ مئات السنين معنى الصبر والنصر، وشجاعة مقاومة الظلم وبسالة كلمة الحق مهما كان ثمنها، وإن كلفت الدماء والأرواح.فلماذا كل هذا التجديد؟ ولماذا تستعيد الأيام الحسين بن علي (ع)؟ ولماذا تفيض هذه الأيقونة البشرية عطاءً متواصلاً لا ينفد؟ فما سر الحسين (ع)؟ الإمام الحسين بن علي (ع) استشهد مع كوكبة صغيرة من أصحابه وأهل بيته في موقعة عسكرية غير متوازنة لم تستغرق أحداثها بضع ساعات، لكنها حملت أسرار الدنيا واختزلت مسيرة البشرية وحدّدت أسباب النهضة ومبررات الثورة ونتائج تلك الحرب القصيرة، وكل تلك الأسرار اختزلتها حروف ثلاثة هي الـ"ظلم".الظلم معادلة بسيطة طرفاها الظالم والمظلوم، وشتان بين العالمين، فعالم الظلم له سياساته ونظمه وأدواته وممارساته ورجاله وشخصياته بما يحمل من صنوف الجريمة والبطش والإرهاب، وعالم المظلوم في المقابل له أيضاً مبادئه وأهدافه ومعاييره وأدواته ورجاله وشخصياته، وبما يحمل من أشكال التحدي والصبر والتضحيات، وهذا الصراع الأزلي امتد مع الإنسان منذ أوائل الخليقة، لكن كربلاء كانت القمة في هذا الصراع ومفترقاً جديداً حدّد معالم الظلم والمظلوم بدقة، ونمطية كتب لها الثبات، ولهذا بقيت مظلومية الحسين (ع) نبراساً ومرجعية دائمة من المحال أن تتبدل أو تتلاشى، فإذا كانت المظلومية شعاراً مقدساً وإلهاماً وجدانياً تتقبله القلوب والعقول معاً، فكيف إذا قائد هذه المسيرة هو ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) وسيد أصحاب الجنة؟ فأكرم بك وأنعم سيدي يا أبا عبدالله ورزقنا الله الثبات على نهجك والنيل من منبع خيرك، حتى لا نكون للظالمين عضداً!
مقالات
أسرار الحسين «عليه السلام»!
11-10-2016