أنصار ترامب البائسين

نشر في 11-10-2016
آخر تحديث 11-10-2016 | 00:07
تحتل الولايات المتحدة الأميركية ترتيبا منخفضا بين الدول المتقدمة فيما يتعلق بمعرفة القراءة والكتابة والمعلومات العامة والعلوم، فاليابانيون والكوريون الجنوبيون والهولنديون والروس يحققون درجات أفضل باستمرار، وهذا يعود جزئيا على أقل تقدير لترك التعليم بشكل يزيد على الحد لقوى السوق.
 بروجيكت سنديكيت وصفت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية مؤخرا أنصار خصمها دونالد ترامب بأنهم مجموعة من البائسين، ولم تكن هذه العبارة التي استخدمتها كلينتون لوصف أنصار ترامب بالعبارة المهذبة أو اللبقة، علما أنها اعتذرت لاحقا عنها، ولكن في واقع الأمر كانت محقة في ذلك الوصف، فترامب اجتذب العديد من الأنصار الذين لديهم آراء بائسة مثل تلك المتعلقة بالعرق.

فالمشكلة أن العديد من هؤلاء الناخبين البائسين هم غير متعلمين نسبيا مما يجعل تعليق كلينتون الوارد ذكره يبدو متعاليا، وللأسف فإن هناك الكثير من غير المتعلمين نسبيا في الولايات المتحدة الأميركية.

وتحتل الولايات المتحدة الأميركية ترتيبا منخفضا بين الدول المتقدمة فيما يتعلق بمعرفة القراءة والكتابة والمعلومات العامة والعلوم، فاليابانيون والكوريون الجنوبيون والهولنديون والروس يحققون درجات أفضل باستمرار، وهذا يعود جزئيا على أقل تقدير لترك التعليم بشكل يزيد على الحد لقوى السوق، فأولئك الذين لديهم المال يحصلون على تعليم جيد والذين لا تتوافر لهم الموارد الكافية لا يحصلون على تعليم كاف.

حتى الآن يبدو أن كلينتون تتمتع بدعم الناخبين الحاصلين على تعليم أفضل في المدن، في حين يجتذب ترامب بشكل عام الرجال البيض الأقل تعليما، والكثير منهم كانوا سيكونون ضمن أجيال سابقة من عمال مناجم الفحم أو عمال الصناعات الذين يصوتون للحزب الديمقراطي، فهل هذا يعني أن هناك علاقة بين التعليم أو نقصه وبين دعم الناس لقائد شعبوي خطير؟

إن من الأشياء المثيرة للاهتمام بالنسبة إلى ترامب مدى جهله، على الرغم من تحصيله العلمي الرفيع ومدى استفادته من التبجح بذلك الجهل، وربما من الأسهل على الجهلة الثرثارين إقناع أعداد كبيرة من الناس الذين لديهم معرفتهم القليلة بالعالم نفسها.

لكن هذا الطرح يفترض أن الحقيقة الواقعية مهمة في خطاب الشخص الشعبوي الذي يهدف إلى تهييج مشاعر الجماهير، علما أن العديد من أنصاره لا يبدو أنهم يهتمون بالجدل المنطقي، فذلك للنخبويين الليبراليين المتعالين، فالمشاعر أهم، لأن المشاعر الأساسية التي يتلاعب بها الشعبويون في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها هي مشاعر الخوف والاستياء وفقدان الثقة.

وحصل ذلك في ألمانيا عندما تولى هتلر مهام السلطة، لكن معظم الدعم للحزب النازي في أيامه الأولى لم يأت من الأقل تعليما، فألمانيا كانت أكثر تعليما من الدول الأخرى بالمعدل، وكان من بين النازيين الأكثر حماسة المعلمون والمهندسون والأطباء بالإضافة الى رجال الأعمال الصغار من الريف والعمال من ذوي الياقات البيضاء والمزارعين.

وكان عمال المصانع في المدن والمحافظون من الكاثوليك بشكل عام أقل حماسة لمداهنة هتلر مقارنة بالعديد من البروتستانت المتعلمين؛ مما يعني أن المقاييس التعليمية المنخفضة لا تفسر صعود هتلر.

ازدادت مشاعر الخوف والاستياء وفقدان الثقة بشكل كبير في ألمانيا في حقبة جمهورية فايمار بعد الإذلال الذي تعرضت له ألمانيا بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى، والكساد الاقتصادي المدمر، لكن التحيز والتحامل العرقي من النازييين لا يشبه التحامل والتحيز السائد عند أنصار ترامب اليوم. لقد كان ينظر لليهود على أنهم قوة شريرة تهيمن على المهن النخبوية: المصرفيون وأساتذة الجامعات بالإضافة إلى الإعلام والتسلية، كان ينظر إليهم على أنهم مخادعون يطعنون ألمانيا من الخلف ويمنعونها من أن تصبح عظيمة مجددا.

وإن داعمي ترامب يظهرون عداء مماثلا ضد رموز النخبة، مثل المصرفيين من "وول ستريت" ووسائل الإعلام الرئيسة والعالمين ببواطن الأمور في واشنطن، لكن عداءهم للغرباء موجه ضد المهاجرين المكسيكيين الفقراء والسود واللاجئين من الشرق الأوسط، الذين ينظر إليهم على أنهم أناس مستغلون يحرمون الأميركيين الشرفاء (أي البيض) من تبوء مكانتهم المشروعة في السلم الاجتماعي، وهذه المسألة تتعلق بأناس محرومين نسبيا في عصر العولمة الذي يتميز بتعدد الثقافات بشكل متزايد، وهؤلاء الناس يشعرون بالاستياء من أولئك الذين يعانون حرمانا أكبر من الحرمان الذي تعانيه تلك الفئة.

أما في الولايات المتحدة الأميركية اليوم، وكما كانت عليه الحال في ألمانيا إبان حقبة جمهورية فايمار، فإن الغاضبين والخائفين لا يثقون بالمؤسسات السياسية والاقتصادية السائدة، لدرجة أنهم مستعدون لاتباع قائد يعدهم بأقصى درجات الاضطراب والتشويش، آملين بأن العظمة ستعود بالقضاء على الفساد، علما أن هذا الأمل كان موجودا في ألمانيا عند جميع الطبقات، سواء كانت من النخبة أو عامة الناس، لكن في أميركا ترامب فإن هذا الطرح يسود فقط بين العامة.

في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا يبدو العالم أقل رعبا للناخبين الأكثر ثراء والأفضل تعليما، والذين يستفيدون من الحدود المفتوحة والعمالة المهاجرة الرخيصة وتقنية المعلومات، والخليط الغني من التأثيرات الثقافية، كما أن المهاجرين والأقليات العرقية الذين يسعون إلى تحسين ظروفهم ليس لديهم مصلحة في الانضمام إلى ثورة شعبوية موجهة في الأساس ضدهم، ولهذا السبب سيصوتون لمصلحة كلينتون.

وهكذا يتوجب على ترامب الاعتماد على الأميركيين البيض الساخطين الذين يشعرون أنه قد تم التخلي عنهم، وأن حقيقة أن هناك عددا كافيا من الناس يشعرون بتلك الطريقة ولدرجة استدامة مرشح رئاسي غير مناسب هي بمثابة إدانة للمجتمع الأميركي، وهذا يتعلق بالتعليم، وذلك ليس لأن الناس المتعلمين محصنون من الشعبوية، بل لأن النظام التعليمي السيئ يجعل الكثير من الناس في وضع أسوأ.

في الماضي كان هناك عدد كاف من الوظائف الصناعية للناخبين الأقل تعليما من أجل أن يعيشوا حياة كريمة، واليوم هذه الوظائف تختفي في المجتمعات الحديثة بعد المرحلة الصناعية، وكثير من الناس يشعرون أنه لم يعد لديهم ما يخسرونه، وهذا الكلام صحيح في العديد من البلدان، لكن الموضوع يصبح أكثر أهمية في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك نظرا لأن وضعا شعبويا متعصبا في موقع المسؤولية لن يتسبب في إلحاق ضرر كبير بتلك البلاد فقط بل أيضا بجميع البلدان التي تحاول التمسك بحرياتها في عالم محفوف بالمخاطر بشكل متزايد.

* إيان بوروما | Ian Buruma ، أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان والصحافة في كلية بارد، ومؤلف كتاب "السنة صفر: تاريخ عام 1945".

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

كلينتون تتمتع بدعم الناخبين الحاصلين على تعليم أفضل في المدن في حين يجتذب ترامب الرجال البيض الأقل تعليماً
back to top