أثناء زياراتي المتكررة إلى الضواحي ذات الغالبية المسلمة التي تتشكّل خارج معظم مدن شمال أوروبا، راودني السؤال الملحّ: لمَ فتحت بعض دول العالم الأكثر غنى، وثقافة، وعلمانية، وتناغماً بابها طوعاً أمام أي مهاجر تقريباً من دول العالم الأكثر فقراً، وتخلفاً، وتديناً، واضطراباً؟يعتبر عدد كبير من الأوروبيين الغربيين المثقفين أن حضارتهم لا ترتبط بالتقدم العلمي، ومعدلات الازدهار غير المسبوقة، والإنجازات الفريدة في مجال حريات الإنسان بقدر ارتباطها بالاستعمار، والعنصرية، والفاشية، فيشير المفكر الفرنسي باسكال بروكنر في تحليلاته إلى أن الغزو الفرنسي العنيف للجزائر، والمحرقة النازية الألمانية المريعة بحق اليهود، وإرث القومية المتطرفة تدفع أوروبيين كثيرين إلى اعتبار أنفسهم "رجل الكوكب السقيم" المسؤول عن كل مشكلة عالمية من الفقر إلى الجشع البيئي، "فقد نشر الرجل الأبيض الحزن والدمار أينما حلّ". نتيجة لذلك، باتت الوفرة مؤشراً إلى السرقة والبشرة الفاتحة دليل خطيئة.
يشعر عدد كبير من الأوروبيين أن إحساسهم بالذنب يجعلهم أكثر تفوقاً: كلما كرهوا أنفسهم، ازدادوا تطهراً. وينجم عن ذلك خليط غريب من كره الذات والسمو الأخلاقي، يدفعهم، من بين عواقب أخرى، إلى التردد في تخصيص الوقت والمال لإنجاب الأولاد.لا شك أن تراجع الولادات الكبير يسبب أزمة سكانية وجودية، فمع تراجع معدل الإنجاب بين النساء في الاتحاد الأوروبي إلى 1.58 ولد منذ عام 2014، تفتقر القارة إلى الذرية الضرورية لتستبدل ذاتها، لكن معدل الاستبدال المتدني جداً سيؤدي إلى تراجع حاد في عدد البرتغاليين، واليونانيين، وغيرهم من سكان أوروبا الأصليين، وللحفاظ على دولة الرفاهية وآلية التقاعد، صار من الضروري استقبال الأجانب.وهكذا يلتقي هذان الميلان (الشعور بالذنب والرغبة في التكفير والحاجة إلى استبدال النقص في عدد الأولاد) ليشجعا تدفقَ غيرِ الغربيين الكبير أو ما يدعوه الكاتب الفرنسي رينو كامو "الاستبدال الكبير". يستطيع الآسيويون الجنوبيون في المملكة المتحدة، والإفريقيون الشماليون في فرنسا، والأتراك في ألمانيا، فضلاً عن الصوماليين، والفلسطينيين، والأكراد، والأفغان في مختلف أرجاء القارة، أن يغسلوا أيديهم من خطايا أوروبا التاريخية حين يقدّمون للاقتصاد اليد العاملة التي يحتاج إليها. وكما ذكر الكاتب الأميركي مارك ستاين "يشكّل الإسلام راهناً المزوّد الأبرز للأوروبيين الجدد".لكن تدفق المسلمين، الذين لا ينجحون في الاندماج في المجتمع، يثير سؤالاً بالغ الأهمية: هل تنجح حضارة الألفية الماضية في أوروبا في الاستمرار؟ وهل تتحوّل إنكلترا إلى لندنستان وفرنسا إلى جمهورية إسلامية؟ تفوز الأحزاب السياسية المناهضة للهجرة بنحو 20% من الأصوات، ومع أننا نشهد راهناً إجماعاً على أن شعبيتها لن تزداد أو ربما تبلغ 30% كحد أقصى، إلا أنها ستواصل النمو، وهكذا يكون السؤال الأهم الذي تواجهه أوروبا: مَن يوجّه مستقبل القارة: المؤسسة أم الشعب؟ سيحسم حجم العنف السياسي الإسلامي الجواب على الأرجح: يُميل تأثير عمليات القتل الجماعي البارزة (مثل ما شهدناه في فرنسا منذ شهر يناير عام 2015) الدفة نحو الشعب، في حين يسمح غياب هذا التأثير للمؤسسة بأن تواصل الإمساك بزمام الأمور، وهنا تكمن المفارقة: سيكون لأفعال المهاجرين الدور الأكبر في تحديد مصير أوروبا.* دانيال بايبس | Daniel Pipes
مقالات
توجيه مستقبل أوروبا
12-10-2016