كان السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد قد ألْمح، وهو يتحدث عن الخيارات المتوقعة لحل الأزمة السورية التي اقتربت من أن تنهي عامها السادس، إلى أنَّ الأميركيين والأوروبيين قد خرجوا نهائياً من هذه الدائرة، وأن كلَّ شيء بالنسبة لهذه القضية أصبح في يدي بوتين وإردوغان، وأنَّ العلاقات المستجدة بين روسيا وتركيا بالإمكان أنْ تؤدي إلى تفاهم متدرج لإنهاء مشكلةٍ، غدت مع الوقت وسوء أداء إدارة أوباما، "عقدة" كونية بات حلها يستدعي استخدام الأسنان بعدما عجزت الأصابع عن إنجاز أي حل فيها.

واللافت أن الروس كانوا قد أعلنوا عن تحويل "طرطوس" إلى قاعدة دائمة لأساطيلهم البحرية، وأنَّ رجب طيب إردوغان وفلاديمير بوتين كانا يعقدان ثالث لقاء بينهما، خلال زيارة الرئيس الروسي الأخيرة إلى تركيا عندما أعلنت المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كلينتون، خلال مواجهتها الثانية مع خصمها (الأرعن) ترامب، أنها إن فازت في هذه الانتخابات فلن تستخدم أي قوات "برية" لحل الأزمة السورية... وهذا قد فُهِم من قبل معظم المعنيين على أنه تأكيد لاتباع الأسلوب ذاته الذي اتبعه باراك أوباما تجاه هذه الأزمة التي أصبحت، مع عامل الوقت وكثرة المتدخلين من الخارج، أزمة دولية.

Ad

والواضح، بل المؤكد، أنَّ لقاءات بوتين وإردوغان الجانبية قد تركزت، مع أن جدول أعمالها كان مثقلاً بالعديد من الأمور العالقة وفي مقدمتها الأمور الاقتصادية، على هذه الأزمة السورية المستفحلة التي أصبح عنوانها كل هذا التدمير المنهجي المتواصل الذي تتعرض له حلب، وأنه قد تم التوصل إلى تفاهم واعد لكنه غير مضمون على ضرورة وضع حدٍّ لإراقة الدماء في سورية يبدأ بعقد اجتماع في جنيف، وهكذا فأغلب الظن أن هذا هو ما ألمح إليه فورد عندما أشار، وهو يرسم على وجهه ابتسامة، إلى أنَّ حل هذه المشكلة العويصة أصبح بيد الروس والأتراك.

وحقيقة، ورغم كل هذا الذي أشار إليه فورد، فإنه لا يمكن الركون إلى أنَّ الطرق الروسية والتركية غدت آمنة، فهناك أمور لا تزال عالقة بالنسبة للشأن السوري، وهناك أيضاً أن الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول "الناتو"، لا يمكن أن تسمح للروس بأن يتجذروا عسكرياً في هذه المنطقة الاستراتيجية، ثم إنها لا يمكن أن تسمح لتركيا العضو في هذا الحلف بأن تبرم عقد زواج غير شرعي من وراء ظهرها مع روسيا.

لقد بات واضحاً، وفي حكم المؤكد، أن بوتين قد استغل رداءة أداء أوباما بالنسبة للأزمة السورية، وبالنسبة لعقد صفقة "النووي" مع إيران، وأنه مصمم على أن تحتل روسيا مكانة الاتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة تألقه، والدليل هو هذا الذي كان فعله في أوكرانيا وفي القرم... والذي يفعله الآن في سورية، والذي من الممكن أن يفعله في أوروبا الشرقية كلها، وهذا يعني أن أي إدارة أميركية جديدة لا يمكن أن ترفع يديها إزاء كل هذه المستجدات الشرق أوسطية، ولا يمكن أن تترك الروس يهيمنون على هذه المنطقة، وأيضاً لا يمكن أن تترك إردوغان يكمل هذه اللعبة الخطيرة التي يحاول أن يلعبها من وراء ظهر الولايات المتحدة ومن وراء ظهر "الناتو".