قبيل افتتاح «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، تبلّغت إدارته منع ثلاثة أفلام كانت مدرجة ضمن لائحة الأفلام المشاركة فيه، وهي: «أمور شخصية» للمخرجة الفلسطينية مها حاج، «ليالي شارع زايندة» للمخرج الإيراني محسن مخملباف، و«كأس العالم» للأخوين ملص. تردّد أن السبب الرئيس للمنع أن الأول تمويله إسرائيلي وأن الفيلمين الآخرين يتعرضان لسورية وإيران ويمسان أحزاباً لبنانية. واشترطت الرقابة في لبنان حذف مشاهد معينة منهما لإجازة عرضهما، إلا أن إدارة المهرجان رفضت ذلك وأسفت، بصرف النظر عن مبررات عدم إجازة عرض كل من الأفلام الثلاثة، لإقحام الاعتبارات السياسية في الثقافة والفن، والتعاطي مع الأعمال الثقافية والفنية من خلال نظرة ضيقة، ووفق لغة خشبية.
ولفتت إلى أن «مهرجان بيروت الدولي للسينما» سعى، منذ انطلاقه، إلى أن يكون منبراً لحرية الرأي والتعبير، ومساحة للنقاش في شأن قضايا المنطقة والعالم الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية، معتبرة أن حظر عرض عدد من الأفلام يسيء إلى صورة لبنان كمحور للتعبير الحر في المنطقة.
وقائع ملموسة
يحظر القانون اللبناني دخول أي منتج إسرائيلي إلى لبنان، مهما كان نوعه، على هذا الأساس استند الأمن العام اللبناني في قراره منع عرض فيلم «أمور شخصية»، بعدما تلقى كتاباً من مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد يقول فيه إن شكاوى وردت حول أن الفيلم صوِّر في إسرائيل ومنتج من شركة إسرائيلية، وتبين أن هذه الوقائع صحيحة.أما بالنسبة إلى «كأس العالم»، فالقانون اللبناني يحظّر المساس بالدول الصديقة والشقيقة، لذا اشترط الأمن العام حذف مشاهد تمسّ أحزاباً وشخصيات لبنانية، الأمر نفسه بالنسبة إلى فيلم مخملباف، خصوصاً أنه ممنوع خارج لبنان لأسباب سياسية، فضلاً عن أنه يتعرّض للدولة الإيرانية. وسط هذا اللغط الدائر بين التمسك بحرية التعبير التي طالما تغنى بها لبنان وبين التقيد بالقوانين، ومطالبة وزارة الثقافة بالتدخل الفوري، أوضحت الأخيرة، في بيان، أنها لا تطلع مسبقاً على الأفلام السينمائية التي تعرض في لبنان لأن مراقبتها أو منح الإذن لعرضها وفق القوانين المرعية الإجراء ليس من صلاحية وزارة الثقافة بل من صلاحية الأمن العام اللبناني».«أمور شخصية»
«أمور شخصية»، أول فيلم روائي للمخرجة الفلسطينية مها الحاج، وشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان «كان» السينمائي الدولي في مايو الماضي إلى جانب الفيلم المصري «اشتباك» لمحمد دياب، وحظي بإشادة النقاد العالميين.يناقش الفيلم العلاقات الزوجية المعقدة ويستعرض في تسعين دقيقة أربع قصص مختلفة تترابط وتتقاطع في أحداثها ومساراتها، أبطالها أزواج من الجيلين الأول والثالث للنكبة الفلسطينية. من خلال القضايا العائلية يغوص الفيلم في عمق الإشكاليات السياسية والاجتماعية، ويبيّن أن لكل جيل أزمته، ولكل جيل متاهة يدور فيها ولا يجد منها خلاصاً، فتبقى القضايا العائلية عالقة في الزمان والمكان حتى ليخال المشاهد أنه مكتوب لكل جيل أن يعيش الأزمة من دون أن يقوى على حلّها، تماماً مثل الجدة التي لم تعد قادرة على مغادرة البيت، مساحة الأمان الوحيدة المتبقية لها. يتجنّب الفيلم أي خطاب سياسي مباشر ويعبّر عن المشاعر الفلسطينية المرتبكة، تلك التي تزداد قوة مع تعاقب الأجيال من دون أن تتغير الأحوال، فيعيش الحفيد إرباكات أجداده، ويضطر إلى التكيّف مع هذه المساحة الضيقة التي يحاول فيها جاهداً تحقيق النزر اليسير من سعادته واستقراره. كتبت مها الحاج السيناريو وشارك في التمثيل: ميساء عبد الهادي، دريد لداوي، عامر حليحل، حنان حلو، زياد بكري، سناء شواهدة ومحمود شواهدة. وإنتاج باهر اغبارية.يشارك «أمور شخصية» في مهرجانات دولية للأفلام الروائية من بينها: زيوريخ، ووارسو، وساو باولو، وهونغ كونغ، وآيسلندا. وحاز الفيلم في باكورة عروضه إجماع النقاد العالميين الذين شاركوا في المهرجانات، حيث أثنوا على مقوماته السينمائية، خصوصاً في النص الروائي والإخراج.يذكر أن الفيلم سيعرض قريباً في مهرجان حيفا للأفلام يليه عرض احتفالي في رام الله.حول إشادة أهم النقاد العالميين بالفيلم، أكدت مها الحاج إيمانها بجودته وأعربت عن سعادتها بردود الفعل الإيجابية وأملها في عرضه في الدول العربية.