تواصل التصعيد بين أنقرة وبغداد، على خلفية الوجود العسكري التركي في شمال العراق مع اقتراب موعد معركة تحرير مدينة الموصل من تنظيم "داعش".وبعد التلاسن الذي وصل إلى حده الأقصى أمس الأول بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أكدت أنقرة أنها لن تنسحب أبداً من معسكر بعشيقة قرب الموصل قبل تحريرها من "داعش".
وأكد إردوغان أمس أن بلاده لن تسمح بأن تتسبب عملية طرد التنظيم المتشدد من أكبر مدينة عراقية سنية في "دماء ونار" بالمنطقة، لما سيترتب عليها من صراع طائفي، مضيفاً أن تركيا مستهدفة بشكل شرس فيما يتعلق بمسألة الموصل، لأنها ستحدث تغييراً في التوازنات الإقليمية.بدوره، قال نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، إن قوات بلاده ستبقى في معسكر بعشيقة حيث تدرب مقاتلين أكرادا وآخرين سنة ينتمون إلى قوات "الحشد الوطني" بزعامة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، إلى أن يطرد "داعش" من مدينة الموصل.وقال قورتولموش: "إن تركيا لا تتحرك بناء على أوامر من الآخرين. وجودنا في معسكر بعشيقة سيستمر حتى يتم تحرير الموصل من داعش"، مضيفاً: "أيا كان سكان الموصل من العرب أو من التركمان فقد عاشوا معا قرونا وسيستمرون على هذا المنوال، الناس لن يسمحوا لك بتغيير التركيبة العرقية، هذا منظورنا كتركيا، وجود القوة التركية العسكرية في هذه المنطقة ليس محل نقاش".وأضاف أن بلاده قد تشارك في عملية تحرير الموصل في حال لم تشارك فيها "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي تقول أنقرة إنها تابعة لحزب "العمال الكردستاني".
واشنطن
ومساء أمس الأول، علقت وزارة الخارجية الأميركية على التلاسن بين إردوغان والعبادي قائلة إن القوى العسكرية الأجنبية في العراق يجب أن تكون قد حصلت على موافقة حكومة بغداد وتحت مظلة التحالف المناهض لتنظيم "داعش".وأكدت الوزارة الأميركية، أنه "يجب على كل الأطراف التنسيق عن كثب خلال الأيام والأسابيع القادمة لضمان وحدة الجهود الرامية لهزيمة داعش، وتحقيق الأمن الدائم للشعب العراقي".وأكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي أن "القوات التركية المنتشرة في العراق ليست جزءا من التحالف الدولي وما يجري في بعشيقة يجب أن تحله الحكومتان العراقية والتركية".العبادي
في غضون ذلك، نفى مكتب العبادي تصريحات الرئيس التركي التي قال فيها، إن رئيس الحكومة العراقية طلب إنشاء قاعدة بعشيقة أثناء زيارة لأنقرة.وقال المكتب في بيان، إن هذه التصريحات "مناقضة لما سبقها من تصريحات"، مشيرا الى أن بعض المسؤولين الأتراك صرحوا سابقا بأن قوات بلادهم "موجودة بطلب من محافظ نينوى السابق، وفي تصريح آخر أكدوا أنها بموافقة حكومة إقليم كردستان، وفي تصريح ثالث ادعوا أنها بموافقة التحالف الدولي الذي كذب ادعاءاتهم علنا".وأكد المكتب أنه "سينشر الوثائق التي تدلل على بطلان ادعاءات القيادة التركية" دون أن يحدد طبيعة تلك الوثائق أو موعد نشرها.«أهل الحق»
في السياق، قال الأمين العام لتنظيم "عصائب أهل الحق" الشيعية المتشددة المنضوية في قوات "الحشد الشعبي" قيس الخزعلي أمس، إن تحرير الموصل "هو تمهيد لدولة العدل الإلهي". ورأى أن تحرير المدينة "انتقام وثأر لقتلة الإمام الحسين لأن هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد".وشن الخزعلي هجوما قاسيا على الرئيس التركي، مدافعا عن قوات "الحشد الشعبي" الذي قال إن انتصاراتها سببها "الإمام الحسين".وقال الخزعلي متوجها إلى إردوغان: "اعرف من أنت ومن نحن، عندما تقارن نفسك بهذا العراق العظيم بلد علي بن أبي طالب والحسين، بلد العشائر الأصيلة والحشد الشعبي وفصائل المقاومة والمرجعية الدينية".ورفض الخزعلي اتهامات تركيا لـ"الحشد" بالسعي لإحداث تغيير ديمغرافي في مناطق السنة بالعراق. واعتبر أن الهدف من تأسيس "داعش" هو "كسر إرادة" الشيعة في العراق. من ناحيتها، دعت كتلة "منظمة بدر" النيابية إردوغان إلى أن "يعود لرشده ويسحب جنوده من العراق أحياء". وحذرت الكتلة من "عودة هؤلاء الجنود إلى تركيا جنائز".حشود حول سد الموصل
إلى ذلك، أعلن مصدر عراقي مطلع أمس، وصول قوة من "الحشد الشعبي" إلى حدود قضاء شيخان شمال الموصل، بهدف المشاركة في عملية تحرير المدينة. وقال المصدر، إن أكثر من 30 سيارة محملة بالأسلحة الثقيلة إضافة إلى عدد كبير من المقاتلين من "الحشد" وصلوا إلى قضاء شيخان، مضيفاً، أن "تلك القوة كانت ترفع أعلام العراق، والإمام الحسين، والحشد الشعبي، وأنه من المقرر أن تتوجه هذه القوة إلى سد الموصل".في المقابل، قالت مصادر كردية، إن "قوة من الجيش العراقي، قوامها أكثر من 200 آلية عسكرية من نوع همر، مدعومة بالدبابات، وصلت صباح أمس إلى سد الموصل".ملايين العراقيين يحيون عاشوراء
أحيا ملايين العراقيين الشيعة، أمس، ذكرى عاشوراء، فيما شارك مئات آلاف الزوار في أداء الطقوس الدينية عند مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس في مدينة كربلاء، التي اتشحت بالسواد.واستقبلت كربلاء، خلال الأيام الماضية مئات الآف الزوار، بينهم عرب وأجانب، وآخرون من مختلف مناطق العراق، وسط إجراءات أمنية مشددة نفذها نحو 30 ألف عنصر من قوات الأمن.وقال مسؤول الشعائر الحسينية في مرقد الإمام الحسين رياض السلمان، أمس، "شارك أكثر من مليون و200 ألف زائر في إحياء العاشر من المحرم في كربلاء".وعند الصباح بدأت مجاميع من الزوار بممارسة الضرب بالسيف على الرؤوس (التطبير)، فيما جلست حشود هائلة، بينهم نساء وأطفال، منذ الصباح الباكر، حول مرقد الإمام الحسين، للاستماع إلى قصة "واقعة الطف" عبر مكبرات صوت نشرت حول المرقد.ورفعت رايات سوداء فوق المباني في كربلاء، تعبيرا عن الحزن في ذكرى مقتل الإمام الحسين.وقال قائد عمليات الفرات الأوسط اللواء الركن قيس خلف رحيمة، أمس، "نفذنا خطة أمنية، من خلال استنفار لقوات من الجيش والشرطة والحشد الشعبي، ومشاركة ألفي متطوع، بينهم 600 امرأة، لحماية الزوار"، مؤكدا: "ستواصل قواتنا الأمنية تنفيذ الخطة حتى بعد انتهاء مراسم الزيارة، بهدف حماية الزوار، وتنظيم مغادرتهم من كربلاء".وشاركت طائرات مروحية وأخرى مسيرة لمراقبة تطبيق الخطة والمناطق الصحراوية غرب كربلاء.بعشيقة... بلدة استراتيجية تسكنها 6 «حضارات»
بلدة بعشيقة، التي أصبحت محور التوتر بين بغداد وأنقرة، بسبب الوجود العسكري التركي فيها، منطقة ذات تركيبة ديمغرافية فريدة، حيث تسكنها مجموعات بشرية متحدرة من 6 تيارات حضارية متنوعة، هي الإيزيدية (70%)، والمسيحية (25%)، والإسلام (5%)، بالإضافة إلى الشبك و"الأكراد البهدينان" والتركمان.هي ناحية تابعة لقضاء الموصل بمحافظة نينوى، شمال العراق، وتقع على بعد 12 كم شمال شرقي مدينة الموصل في قلب "سهل نينوى"، وتعتبر من المناطق الزراعية، وتشتهر بزراعة الزيتون. اسم بعشيقة المعرب من "بحشيقة" هو اسم آرامي مركب من كلمتي" بيث" و"شحيقي"، وتعني بيت المسحوقين.وتعد بعشيقة الفاصل الاستراتيجي بين إقليم كردستان من جهة محافظة دهوك، والمناطق ذات الأغلبية العربية السنية في العراق.كما تكتسب أهمية لكونها تطل على الجهة الشمالية الشرقية لمدينة الموصل، وعلى قضاء تلكيف ومنطقة الشلالات شمال الموصل، وأيضاً على منطقة علي رش التابعة لناحية برطلة شمال شرقي الموصل.وهي أقرب المناطق الحدودية العراقية مع تركيا، ويقطعها طريق بري يعود إلى 3 عقود يربط المنطقة بمعبر إبراهيم الخليل الحدودي.