منيت نفسي، وأنا في طريقي لمشاهدة «صابر جوجل»، برؤية فيلم يُعد بمثابة «مسك الختام» للأفلام الستة التي طُرحت في موسم عيد الأضحى. لكن الصدمة كانت كبيرة، عقب مشاهدتي فيلماً يعوزه الخيال، ويعيبه الاستخفاف، وتغلب عليه العصبية، وتغيب عنه السيطرة على الانفعالات الزائدة، ولا يخلو من ضوضاء وضجيج!

قبل أن نتعرف إلى «صابر علي الطماني» (محمد رجب) الذي يسكن غرفة فوق السطوح، مع زوجته «ليلى» (سارة سلامة) وابن عمه «فاروق» (مؤمن نور) وخطيبته «شيماء» (راندا البحيري)، يباغتنا بحيلة مدهشة يثأر خلالها من شخص نعرف في ما بعد أنه الضابط «ياسر» (إيهاب فهمي) الذي اعتقل زوجته لأنها رفضت تجنيدها لحسابه، حيث يدعي «صابر» أنه عريس اختلف مع عروسه، ويتعمّد حدوث هذا أمام سكان العمارة، وسرعان ما يرمي عليها يمين الطلاق، ويزعم أمام الجميع أنه نسي مفتاح الشقة، ولا بد من أن يدخلها بالقوة ليقتسما محتوياتها. ينجح في ذلك ويهرب، ولكن الشرطة تقبض عليه!

Ad

عند هذا الحد انتهت مصداقية فيلم «صابر جوجل» المأخوذ عن قصة كتبها محمد رجب، وشارك في كتابة السيناريو مع محمد سمير مبروك، وأخرجه محمد حمدي. في اللحظة التي بدأت فيها التحقيقات مع «صابر»، بدا وكأنه صاحب اليد العليا، فهو الذي يضغط على الضابط «ياسر»، ويمارس عليه ابتزازاً غير مبرر، قبل أن يعقد معه صفقة تنتهي بالإفراج عن زوجته مقابل الإفراج عن محتويات الشقة. وطوال الأحداث، تتكرر هذه الثغرة القاتلة التي يبدو «صابر» خلالها وكأنه المهيمن والمسيطر وصاحب الكلمة والقرار، سواء في علاقته مع الضابط، الذي يستطيع اعتقاله لو أراد، أو تعامله مع رجل الأعمال «السروجي» (لطفي لبيب) تاجر السلاح والآثار، الذي يستطيع دفنه حياً لو شاء، وهي ثغرة تبرهن أننا أمام فيلم مصنوع، كغالبية أفلام محمد رجب، بشروطه وأمنياته، التي يراها في «أحلام يقظته»، من دون أن تكون لها علاقة بقواعد وحسابات الفن!

هل يشاهد محمد رجب نفسه؟ وما مدى رضاه عن المستوى الذي يقدمه في أفلامه، والنتيجة التي يصل إليها؟ وكيف ينجح في إقناع المنتج تلو الآخر بالاستمرار في إنتاج أفلامه التي لا يكتب لها النجاح؟

في «صابر جوجل»، سيارات تتعرّض للسرقة بهدف ابتزاز أصحابها وإجبارهم على دفع فدية لاستردادها، كما جرى في فترة الانفلات الأمني، وتشويه متعمد للنقاب واللحية، وانتقاد ساذج لما يجري في السجون (مصالح تُبرم وخلوة بين الزوجين وتواطؤ بين الشرطة والمجرمين)، وكلام للاستهلاك المحلي عن هيكلة الشرطة، وتناقض عجيب بين الهجوم عليها، ورسم شخصية المجرم المُتجبر الذي يُسهم في تجميل صورة الشركة ويجبرك على التعاطف مع رجالها، وثمة المخرج محمد حمدي، الذي ترك الحبل على الغارب لبطله ليلقي «إفيهات» سخيفة، يكررها بإلحاح، على غرار مدرسة «المدبوليزم» (دارس في أميركا/ عايز شريط أصالة الجديد). لكن أسوأ ما فعل «رجب» أن تمادى في غيه للدرجة التي وصل بها إلى الإسفاف اللفظي، كما رأينا في المشهد الذي يتساءل فيه: «من أين لك هذا؟»، وهو يُشير إلى ثديي الممثلة الليبية نور الكاديكي، التي جسدت دور محظية رجل الأعمال «السروجي»، واختيرت للدور، في رأيي، كونها وافقت على ارتداء لباس البحر القطعتين، ولم تمانع في تقديم شخصية تقليدية كان لها حضور ملموس في أفلام المقاولات، وهي نقطة تجرنا إلى الحديث عن القدرات المتواضعة للمخرج، الذي كان مديراً للتصوير، في تسكين الممثلين، فالتراجع لم يكن مقصوراً على «الكاديكي»، بل تجاوزها إلى اختيار سارة سلامة في دور الزوجة «ليلى»، التي تعاني بسبب عدم الإنجاب، وتصورت، ومعها المخرج، أن صبغ شعرها الأصفر باللون الأسود سيجعل منها فتاة شعبية، بينما اختارت راندا البحيري، على سبيل التغيير، أن تصبغ شعرها الأسود باللون الأصفر، من دون الاهتمام بالشخصية نفسها، وتأرجح أداء مؤمن نور بين الخفة والاستخفاف والجمود والكوميديا المصنوعة بشكل واضح!

كما هي العادة، استعار محمد رجب طبقة صوتية ربما يؤمن أنها «عميقة» بينما هي في الحقيقة مستفزة وغليظة، بل إنها تجلب، في أحيان كثيرة، الغثيان، كونها تؤدي إلى غموض الحوار، وتتسبب في معاناة المتلقي، كما حدث في فيلم «صابر جوجل»، الذي اقتربت مدة عرضه على الشاشة من الساعتين، نتيجة للتطويل، وضربه في الاتجاهات كافة، وتعمده الاقتراب من القضايا كافة من دون أن يترك تأثيراً من أي نوع، بسبب الخيال البليد (البطل يستولي على كيس من الألماس تركه صاحبه في سيارته وذهب للنوم!) والتلفيق الدرامي الذي يجعل المجرم يعمل لحساب الضابط، رغم الكراهية المتبادلة، والبطل الذي يعود إلى الوطن، بعد عشر سنوات من الهروب، عقب الاستيلاء على قطعة أثرية وبيعها في الخارج، والنظر إليه بوصفه رجل أعمال وطنياً وشريفاً يقاسم عامل «الأسانسير» في التهام «الكشري»، ويعطف على الفقراء بمساكن شعبية، وثمة تحذير ضمني من زواج المال والسلطة، لكن هذا «العك» كله ينتهي في لحظة ببلاغ إلى النائب العام!