في ظل الأوضاع الجديدة اقتصادياً بدخول صندوق النقد الدولي، ومع الانعكاسات أو التطورات التي يمكن أن تصاحب هذا الوضع الجديد في مجالات الأسعار، أو القدرة على التحكم في السوق، أو سياسياً واجتماعياً، وبالتالي اختبار مدى صحة وقوة علاقة الناس بحكومتهم، فإن الحاجة هنا تزداد إلى إيجاد سبل وطرق يمكن بها تحقيق المصالحة بين المواطن وحكومته، وبشكل أدق فإن الحكومة تحاول من جانبها مصالحة المواطن والتقليل من إحساسه بضغوط الواقع مع التغيرات التي تطرأ عليه.قد يكون الطريق طويلاً لتحقيق ما نصبو إليه كأمة، لكن الإيجابي أننا بدأنا هذا الطريق بالفعل، وفي الاتجاه الصحيح حتى لو كانت السرعة أقل نسبياً مما نأمل، لن تكون هناك عصا سحرية لحل مشكلاتنا التي تراكمت عبر عشرات السنين، ولن يتمكن الناس فجأة من الإحساس بأن أمورهم باتت ميسرة، الطريق طويل لكنه يحتاج إلى مناطق مضيئة ليشعر المواطنون أن التغيير قادم وأن الأمل حقيقي.
ماذا يمكن أن تفعل الحكومة– أي حكومة– لكي يرضى عنها الناس؟ خصوصاً في الوضع الذي نمر به الآن؟ الأزمة تكون عندما يكون العيب في الحكومة لا في الشعب، عندما تكون متطلبات الناس ممكنة وتعجز عنها الإدارة، أو عندما تفشل الحكومة في أن تحوز رضا الناس في أمور تبدو ممكنة حتى في ظل الصعوبات الاقتصادية. بتطبيق ما فات على أوضاعنا المصرية، يمكن القول إن الأزمة الحقيقية في العلاقة بين الحكومة والناس تتمثل في لغة الخطاب من الحكومة إلى شعبها، وتتمثل في قدرة الحكومة على جذب الانتباه إلى ما تفعل من إيجابيات، وعندما تغرق نفسها في أخطاء صغيرة تفسد ما تفعله من إنجاز، الخطأ الآخر الذي تقع فيه الحكومة عندما لا تركز على وسائل إرضاء المواطن البسيطة والممكنة، وهي وسائل لو استطاعت أن تضع يدها عليها لتمكنت من أن تكسب المواطن معها مشاركاً دائماً لها في مواقع الإنجاز الآخر بدلاً من الوقوف موقف المناوئ الناقد. يبدأ هذا الأسلوب بتحديد مناطق تعامل المواطن مع الحكومة، تلك المناطق التي يكون فيها احتكاك مباشر بين الطرفين عادة ما يتسبب في حالة من الغضب لدى المواطن، لا يكون في كل الأحوال غضباً من الاحتكاك في موضوع بعينه، بل هو مناسب لإعلان الغضب بصوت عالٍ من أمور أخرى وجدت منفذاً من حالة الاحتكاك التي أعتقد أنها جديرة باهتمام الحكومة منذ الآن. هذه الحالات من تعامل المواطن مع المصالح الحكومية التي أتحدث عنها يمكن الإشارة إلى بعضها ابتداءً من الميلاد حتى الوفاة، ويمكن تحديد بعضها بسرعة عندما نبدأ بمكتب الصحة الذي تخرج منه شهادة الميلاد، إلى المستشفى الذي يعالج فيه الطفل إلى إدارات التعليم التي يتعامل معها الأهالي، إلى مكاتب الضرائب وأقسام الشرطة وإدارات المرور، ومكاتب الجوازات والسجل المدني، وغيرها من المصالح الحكومية أو المتصلة بالحكومة التي يتعامل معها المواطن في حياته كلها حتى يصل مرة أخرى إلى مكتب الصحة الذي يستخرج منه شهادة الوفاة، وقبل أن نحدد المطلوب دعونا نغمض أعيننا للحظة ونتخيل حجم معاناة المواطن في كل ما ذكرت من أماكن، وغيرها مما لم أذكر، وأترك لكم تصور ما يحدث وما يلقاه المواطن من معاناة، لكن في المقابل تخيلوا معي لو قررت الحكومة، كخطوة استباقية، أن تبدأ بـ»مصالحة» المواطن، وذلك بخلق جو من الثقة بينها وبينه، وإصلاح أحوال هذه الأماكن، وقررت أن تيسر على المواطن في كل هذه النقاط– نقاط التماس المباشرة لها مع الجمهور– في حياته، وأن يجد موظفاً مبتسماً ومكتباً نظيفاً، وإنهاء سريعاً لإجراءاته وأوراقه المطلوبة.تخيلوا معي لو شعر المواطن أن الحكومة وضعت نصب عينها– وعرف ذلك وشعر به– أن تجعل حياته في «مناطق الاحتكاك والتنكيد» أسهل وأيسر، تخيلوا معي ماذا يمكن أن يكون شعور المواطن في هذه الحالة؟ لا أقول إن هذا يحل المشكلة، ولا أقول إن الحكومة بذلك تكون قد حلت مشكلتها مع الناس، ولكنها بداية ليشعر الناس بأنها بحق معنية بمعاناتهم، وبالتالي سيشعر أنها حكومته، وأن مشكلاتها مشكلاته، وأن إنجازاتها إنجازاته، وأن التحديات التي تواجه البلد هي مسؤولية الجميع، إن أحسنوا.
مقالات
«الشعب والحكومة إيد واحدة».. ممكن؟!
14-10-2016