عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به"... هو مفهوم بسيط ومنطقي وهو طريقة مباشرة لحل المعضلات الأخلاقية المعقدة، ولكن في وقت أصبح التمييز بين الصواب والخطأ أصعب من أي وقت مضى، يبدو أن هذه الفرضية الكلاسيكية – القاعدة الذهبية- أصبحت قديمة وغير مستخدمة.

لقد انتشرت القاعدة الأخلاقية المتعلقة بالمعاملة بالمثل على مر التاريخ الإنساني بدءا بالحضارات القديمة في مصر واليونان والهند والصين، وهي من بين الخيوط الفكرية الوحيدة التي تربط تعاليم كل دين رئيسي تقريبا وتعاليم الفلاسفة على مر العصور، وذلك من سينيكيا الأصغر في روما القديمة إلى جان جاك روسو وجون لوك ومن ثم جان بول سارتر وجون راولس.

Ad

إن القاعدة الذهبية هي أساس فهمنا المعاصر لحقوق الإنسان العالمية وتشكل جوهر العقد الاجتماعي المعاصر وهي نقطة البداية في تفاعلنا ضمن مجتمعاتنا وعلى أساس عالمي، وهي تعكس صعود مفهوم تقاسم الاقتصاد، ذلك المفهوم الذي تجسده شركات مثل أوبر وإيربنب، وهذه القاعدة عادة ما تكون الموجه لعلاقاتنا الشخصية.

لكن القاعدة الذهبية تتعرض للهجوم وأولئك الذين لديهم نفوذ أكبر يقودون مثل هذا الهجوم، فالسياسيون حتى في الدول التي يفترض أنها ديمقراطية ومستنيرة، يرفضون تقديم الملاذ والملجأ لأناس يائسين يفرون من حرب وحشية، كما لا يفعل هؤلاء السياسيون شيئا يذكر من أجل التعامل مع تصاعد انعدام المساواة الاقتصادية، ويتجاهلون العوامل التي تحرك حركات الحقوق المدنية مثل "حياة السود مهمة" في أميركا.

إن انعدام التعاطف هذا يعتبر أمراً مخيفاً، وهو ليس مقتصرا على السياسة، ففي وقت يتمتع فيه قطاع الأعمال بنفوذ كبير – ربما بشكل يزيد على الحد- على مستوى العالم، تقوم الشركات في كثير من الأحيان في سعيها للربح أو السلطة بتجاهل التزاماتها المجتمعية.

دعونا ننظر إلى قضية شركة ثيرانوس وهي شركة للتكنولوجيا الحيوية أسستها إليزابيث هولمز سنة 2003، لقد وعدت تلك الشركة بإحداث ثورة في مجال اختبارات الدم ولسنوات عديدة تم كيل المديح لأجهزة اختبار الدم "أيديسون" التي طورتها الشركة على أساس أنها من الأجهزة الرائدة، ولقد تبجحت "ثيرانوس" بالجهات المالية المرموقة الداعمة لها، كما أقامت شراكات مع مجموعة كبيرة من الصيدليات، وبدا كأن مجلس الإدارة فيها متميز بشكل كبير على الورق، وارتفعت بسرعة قيمتها لتصل إلى 9 مليارات دولار.

في العام الماضي ظهرت الحقيقة، فثيرانوس لم تكن إلا شكلاً من أشكال الخديعة، فالأغلبية الساحقة من اختبارات المختبر التي عملتها الشركة تمت باستخدام أجهزة تقليدية، كما أن العديد من النتائج التي قدمتها الشركة لم تكن صحيحة، وفي واقع الأمر تكشف لاحقا أن "ثيرانوس" توقفت عن استخدام أجهزة أيديسون بالكامل في صيف 2015، وألغت نتائج اختباراتها التي تم إصدارها منذ 2014، وأرسلت عشرات الآلاف من التقارير المصححة للأطباء والمرضى.

لكن ثيرانوس لم تستطع جبر الضرر، ففي نهاية المطاف هي شركة في قطاع الرعاية الصحية، ولم تكن تبيع الجوارب أو الصابون، مما يعني أن لأخطائها عواقب حقيقية على العديد من المرضى الذين اتخذوا قراراتهم الصحية على أساس بيانات خاطئة.

من الصعب فهم الغطرسة والاستخفاف القاسي بالبشر الذي جعل الرئيس التنفيذي وفريق الإدارة يتلاعبان بصحة الناس وآمالهم بهذه الطريقة، فهولمز التي عادة ما كانت تروج لشفافية شركتها وتحتفل بقيمتها الضخمة وحتى بعد أن عرفت أن أجهزة أيديسون لم تكن تعمل، لم تقم بخرق القاعدة الذهبية فحسب، بل قامت أيضا بتدميرها تماما.

وهولمز ليست الوحيدة فهناك الكثير غيرها، فأوراق بنما – الملفات التي تم تسريبها من رابع أكبر شركة محاماة (أوفشور) في العالم موساك فونسيكا- تعطينا لمحة عن الجهود التي يبذلها الأفراد من إجل إخفاء أصولهم وتجنب دفع الضرائب، لقد قامت الشركات متعددة الجنسيات الرئيسية مثل آبل وأمازون وستاربكس بهيكلة أعمالها التجارية على أساس تقليل الضرائب، لدرجة أنها تواجه عقوبات من جهات مثل الاتحاد الأوروبي، لقد كشفت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا أن المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب هو أحد المتحمسين للتهرب الضريبي كذلك.

إن ترامب يعتقد أن التهرب الضريبي ينم عن "الذكاء"، ومعظم الناس، وأنا منهم، نعتقد أن التهرب الضريبي ينم عن الأنانية والخبث وانعدام المسؤولية، ويعتبر خرقا للعقد الاجتماعي الذي مكن ترامب وعائلته من تجميع ثروتهم في المقام الأول، وأي مجتمع يعتبر أن تصرفاته الخرقاء التي تخدم مصالحه تنم عن الفضيلة هو مجتمع لا يمكن أن يعمل أو يزدهر.

لكن مثل هذا السلوك أصبح شائعا بشكل متزايد وبعواقب خطيرة، ففي المملكة المتحدة أثار القادة السياسيون المخاوف وقدموا وعودا مستحيلة، مما أدى في نهاية المطاف إلى نجاح التصويت بالخروج من الاتحاد الأوروبي، لقد أطلق الرئيس الجديد للفلبين رودريغو دوتيرتي ما يمكن أن يطلق عليه حربا على حقوق الإنسان، مع المضي قدما في تبني سياسة انعزالية قائمة على أساس التصرفات العدائية ضد البلدان الأخرى.

من الممكن أن تكون حملة ترامب في حالة انهيار تحت ثقل التاريخ الشخصي لحامل رايتها، ولكن من الأسباب المهمة لنجاحها حتى الآن هو أنها روجت لكذبة أن العمال الأميركيين سيستفيدون من بناء جدار – فعلي ومجازي- حول البلاد، ولكن الحقيقة هي أن مقاربة ترامب الانعزالية- والتي لن تموت بهزيمته الشهر القادم – سيكون لها تأثير معاكس.

إن قاعدة المعاملة بالممثل منتشرة منذ نشأة الحضارة البشرية، ولكن لا نستطيع أن نعتبرها أمراً مفروغاً منه، حيث ينبغي علينا ألا نغفل قيمتها في حياتنا الشخصية والمهنية، كما يجب ألا نسمح لقادتنا بأن يغفلوا عن قيمتها أيضا.

لوسي ماركوس | Lucy P. Marcus

* الرئيسة التنفيذية لـ "ماركوس فينتشر" للاستشارات

«بروجيكت سنديكت» بالاتفاق مع «الجريدة»