قرار حل مجلس الأمة حق دستوري خالص لسمو الأمير، حفظه الله ورعاه، لا يستطيع أحد أن ينازعه فيه، ولكن من الممكن مناقشة المعطيات التي تقدمها السلطتان إلى القيادة السياسية كمبررات للحل، وهذه المعطيات، كما تعودنا، قلّما تخرج عن سببين أساسيين، أولهما الأوضاع الخارجية والداخلية المضطربة التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدولة، مما يؤدي إلى محاولة ترتيب الصف الداخلي بشكل يتناسب مع الوضع الجديد، أما السبب الآخر فهو وصول التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى نفق مسدود، بشكل يعطل قدرتهما معاً على القيام بدورهما الدستوري المطلوب.هذان السببان، ووفق المسار الحالي للأحداث غير متوفرين، فلا الوضع الخارجي أو الداخلي مضطرب بصورة استثنائية تمسنا بشكل مباشر وتهدد كياننا كدولة بطريقة لا يمكن التعامل معها إلا وفق عمليات دستورية جراحية كحل المجلس، ولا التعاون بين السلطتين بتلك الصورة السوداوية المطروحة رغم "شيلات النواب الغاضبة" و"نغزات الحكومة المبطنة" و"هوسات الإعلام الصاخبة", بدليل أن السلطتين صارتا تعتمدان على "الاجتماعات" عوضاً عن "الجلسات" لمناقشة قضايا خلافية بينهما, وهذه صورة حميمية قلما توفرت في مجالس سابقة.
دعوات الحل نابعة من أمنيات النواب أنفسهم، وتم تضخيمها إعلامياً من جهات تريد خوض الانتخابات المقبلة لتعوض ما فاتها طوال سنوات "المقاطعة" الأربع السابقة, وأمنيات النواب أتت كردة فعل لشعورهم بأن الحكومة جعلتهم يدفعون فواتير طاولة عشاء التقشف وحدهم، مما سبب تآكلاً لرصيدهم الشعبي أو الانتخابي إن صح التعبير، وربما يرون في الحل "كفارة" يدفعونها على مذبح الانتخابات ليحسّنوا بها صورتهم أمام ناخبيهم بدلاً من الانتظار أكثر تحت أشعة هاجرة إجراءات الحكومة التقشفية والتعرض المتكرر والمؤلم لضربات شمس وثيقتها الاقتصادية.ولكن هل تتوافق رؤى الحكومة مع المجلس في مسألة الحل؟ لا أعتقد ذلك، فمصلحة الحكومة لا تصب في حل المجلس الحالي، فهي تملك وثيقة اقتصادية تريد تمريرها كاملة، ولا أظن أن مخرجات الانتخابات القادمة ستخدم توجهاتها, ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من التفصيل، فالشارع الغاضب من القرارات التقشفية الأخيرة لن يقدم للحكومة في الانتخابات المقبلة نواباً مهادنين على طبق من ذهب، وستكون تركيبة المجلس القادم -بالنسبة لها طبعاً- كصورة "هايد" مقارنة بـ"جيكل" المجلس الحالي، وإذا كان "فولت الكهرباء" و"لتر البنزين" وهما يعتبران مقبلات الوثيقة و"تسليك زور"، لا أكثر، قد واجها إلى حدٍّ ما مقاومة من المجلس الحالي اللطيف و"الكيوت" فعليكم أن تتصوروا شكل مقاومة المجلس القادم لـ"المنيو الدسم" الذي تحمله الوثيقة الاقتصادية، كالتخصيص وشد الأحزمة وخلافه!المدة المتبقية للمجلس الحالي مهمة جداً للحكومة، ولا أظنها ستفرط في يوم واحد منها لتواجه شكلاً جديدا للمجلس لن يكون مريحاً لها بأي حال من الأحوال، ولذلك أتوقع أن تدفع الحكومة الفاتورة هذه المرة لتخفف الحمل عن المجلس الحالي فتعطي نوابه مبررات أو نقاطاً لصالحهم ورسم صورة إيجابية لهم، تحميهم بها من ناخبيهم وتخرجهم من حالة توسط مطرقة الحكومة وسندان التململ الشعبي التي "فلشتهم" إرباً إرباً، الفاتورة قد تتضمن التعامل مع الاستجوابات وصعود وزراء الحكومة إلى المنصة وفق حدود معينة للسماح للنواب باستعراض قوتهم أمام ناخبيهم كما قد يتضمن طلب تعطيل المجلس مدة شهر لتهدأ الأمور ثم استقالة الحكومة وتشكيل جديد "مصفر العداد" لخلط الأوراق واستغلال الأشهر المقبلة لتنفيذ ما يمكن تنفيذه من وثيقة الإصلاح الاقتصادي، قبل أن تنجلي "زوبعة فنجال" المجلس الحالي، ويأتي إعصار الانتخابات المقبلة.
مقالات - اضافات
حل المجلس وحلول الحكومة
15-10-2016