من النظرة الأولى يبدو بابا رامدف مثل مبادر غريب الأطوار، ولكنه مع ابتسامته العريضة وثيابه اللامعة البرتقالية اللون يبدو شخصا مسالما تماما. بيد أن معلم اليوغا المفضل في الهند وسع حضوره الى ما وراء الأقنية الدينية لبلاده التي تعج بمواعظه، بل والقنوات الإخبارية، إذ يعتبر مؤيداً قوياً لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

وقد انتقل الآن الى متاجر البقالة في الهند مع ماركته من باتانجالي من مواد التجميل التقليدية والأطعمة المعالجة. والشركة التي يملكها ويديرها أقرب أتباعه –وليس رامدف نفسه– نمت بنسبة 150 في المئة في السنة الماضية، ويقول إنه ينوي تحقيق نمو مماثل خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

Ad

جذبت منتجات باتانجالي جمهوراً واسعاً من خلال الإيهام بأنها عضوية وذات جودة، ومع تلك المنتجات والمساعدة على نشر رياضة اليوغا في بلدها الأصلي ربما يكون رامدف قد حال دون انهيار أكثر من بضعة أفراد من الطبقة الوسطى في الهند.

ولكن الطريقة التي اختارتها باتانجالي لتسويق منتجاتها مثيرة لرهاب الأجانب. كما أن شعبيتها قد تضطر باعة تجزئة آخرين إلى أن يحذوا حذوها. والمحزن أن رامدف نفسه هو الظل الأكثر انكفاء للمحافظ الاجتماعي. وقد اتهمه المشرعون الهنود ببيع أدوية تشجع على إنجاب ذكور، وهو يعلن عن "علاجات" للشذوذ الجنسي، كما خاض نزاعاً مع ممثلات بوليود اللواتي وجه لهن الاتهام بعدم وجود خلق سليم لديهن. وقد حارب عدم تجريم اللواط ونقل المعركة الى المحكمة العليا في الهند وفاز في قضيته. (وهو يعتقد أيضاً أن العنصرية فقط تحول دون نيله جائزة نوبل).

ومن خلال باتانجالي تمكن رامدف وأتباعه من إطلاق حملة وطنية مؤثرة، وكانوا يقولون إنك بشرائك لمعجون أسنان من الشركة انما تحرر نفسك من الغرب. وتبرز إعلانات الصحف هذه المجادلة: "على الرغم من أننا نلنا حرية سياسية قبل 70 سنة لا تزال الحرية الاقتصادية مجرد حلم... والطريقة التي اتبعتها شركة الهند الشرقية لاستعبادنا ونهب ثرواتنا ما زالت تمارس، فالشركات متعددة الجنسية تفعل الشيء نفسه". وأظهرت بعض تلك الاعلانات خارطة للهند تحمل صليباً يرمز الى شركة الهند الشرقية الجشعة والتي لسبب ما أزعجت المنظمات المسيحية الهندية. وهكذا فإن رسائل باتانجالي تربط بين الوطنية والهندوسية وفضيلة وجودة بضائع الشركة، كما أن وفرة برامج رامدف التلفزيونية تعطيه الكثير من المدى لنشر الرسالة.

وكانت باتانجالي لافتة أيضاً في براعتها إزاء اعتبار الشركات المنافسة مثل دخلاء، على الرغم من أن معظمها حتى المتعددة الجنسية، كانت تعمل في الهند منذ عقود من الزمن، وهي تكاد أن تكون هندية من حيث الادارة والتسويق. وفي السنة الماضية وبعد أن تعرضت منتجات نستله في الهند الى متاعب تنظيمية سارعت باتانجالي الى طرح نوعية هندية بالكامل في المتاجر لسد الفجوة في السوق. كما وعد رامدف بتقديم "بديل صحي" (ولكن لسوء حظ باتانجالي فقد تعرضت هي الاخرى الى متاعب تنظيمية مماثلة بشكل شبه فوري).

من الواضح أن الشركات المنافسة لباتانجالي تشعر بقلق، لأن بيع "منتجات هندية" يشكل ميزة تحاول معظم الشركات الأجنبية مواكبتها. وسارع العديد الى احياء أقسام "أعشاب" وماركات كان باعها أو أغلقها قبل سنوات. ويقول اعلان حملة شركة لوفتهانزا الحالية في الهند "لوفتهانزا أكثر هندية مما تظنون"، وحتى الهواتف من شركة الالكترونيات الصينية الكبرى زياومي تصل مع ملصقات "صنع في الهند" في مقدمة الصندوق.

وقال رامدف "في مهرجان الاحتفالات هذا نحن نتوجه نحو ديوالي – مهرجان الأضواء والمبيعات الكبيرة". كما دعا الى مقاطعة قديمة الطراز للبضائع المصنوعة في الصين. وهو يشتكي من دعم نظام بكين القوي لباكستان. (وخططه لاطلاق خط من الجينز المحلي الصنع كانت من دون شك مجرد مصادفة). وتلقفت الحملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي الدعوة، ونظم أطفال المدارس مسيرة احتجاج وتعهدوا بعدم شراء ألعاب نارية صينية.

وسوف يسبب هذا متاعب بالنسبة الى حكومة مودي وليس للشركات الأجنبية فقط. وقد تلقفت سواديشي جاغران مانش وهي الجناح الاقتصادي لعائلة منظمات تشمل حزب مودي الحاكم بهاراتيا جاناتا فكرة مقاطعة المستوردات الصينية التي بلغت بشكل اجمالي 62 مليار دولار في السنة الماضية. وكانت الحكومة أذعنت الى مانش عبر جعل الأمور صعبة للغاية بالنسبة الى شركة مونسانتو للتقنية الحيوية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها. وهي مضطرة الآن الى التعامل مع هذا الطلب الجديد في وقت تشهد العلاقات مع الصين حالة شحن.

وبالنسبة الى الشركات متعددة الجنسية ثمة شيء واضح وهو أن الهند لم تعد سوقاً غير معقد كما كان الحال في الماضي. وفي السابق كان على الشركات أن تقلق ازاء الأخطار السياسية في الصين، مع خروج مظاهرات خارج مطاعم الأطعمة السريعة الأميركية وإحراق الغوغاء للسيارات اليابانية. ومن جهة أخرى، سوف تحضن الهند أي شيء مستورد وتطلب المزيد. ولكن تلك كانت الهند القديمة، وربما الأقل ثقة، وربما لن تكون هند رامدف مكاناً ودياً للقيام بالأعمال التجارية.