عندما سافر الرحالة المعروف ماركو بولو الى الصين في القرن الثالث عشر وجد ضمن عجائب ذلك البلد ما يعرف، باسم "سر الكيميائي" وهو المشتغل بالكيمياء القديمة، وكان في وسع البلاط الامبراطوري في الصين تحويل لحاء شجر التوت الى أموال، وقد عمد ببساطة الى طباعة أوراق نقدية وأصدر مرسوماً يقضي بأن يقبل الناس بتلك الأوراق النقدية وقضى بذلك على المزورين.

وبالنسبة الى شخص من مدينة البندقية الايطالية اعتاد على القطع الذهبية كانت أول عملة تصدرها حكومة من غير تغطية أشبه بمعجزة، ولم تنبع قيمة تلك العملة من معدن ثمين بل من مصداقية وموثوقية النظام الذي أصدرها.

Ad

وقد حققت الصين خلال الأيام القليلة الماضية نوعاً آخر من الكيمياء النقدية، عبر طرحها عملة احتياط عالمية من نوعية لا تستحق حتى الآن مثل هذه الوضعية من خلال شريحة واسعة من المعايير.

وفي الأول من أكتوبر الجاري أصبح اليوان الصيني خامس عملة تدخل سلة العملات التي تشكل حقوق السحب الخاصة، وهي أصول احتياطية أوجدها صندوق النقد الدولي، ومضاعفات هذه الخطوة المباشرة محدودة جداً. وحقوق السحب الخاصة هي وحدة حساب وليست عملة حقيقية، كما أن تضمين اليوان الصيني ضمن سلة العملات لا يجبر أي شخص على امتلاكه والتعامل به.

وعلى الرغم من ذلك، ومن وجهة رمزية، كانت تلك الخطوة مسألة مهمة (موافقة صندوق النقد على نظام الصين النقدي)، وقد اعتبر الصندوق أن في وسع البنوك المركزية في شتى أنحاء العالم التعامل بصورة آمنة باليوان وإضافته الى رصيدها من العملات الاحتياطية، وفي حقيقة الأمر فإن العشرات من البنوك المركزية كانت تفعل ذلك في الأساس، وقد وصلت الاحتياطيات العالمية في الوقت الراهن من اليوان الى حوالي 1 في المئة، ويتعين أن تضفي حقوق السحب الخاصة مزيداً من الزخم في هذا الاتجاه.

إنجاز بارز

وهذا إنجاز متميز وبارز بالنسبة الى الصين، ومن المعروف أن العملات الاحتياطية تصدرها دول تتمتع باقتصاد كبير ومعدلات صرف مرنة وحسابات رأسمال مفتوحة وأسواق مالية واسعة ذات صدقية. ومن المؤكد أن الصين تلبي الشق الأول المتعلق بحجم الاقتصاد ولكن بقية الشروط والمتطلبات هي قيد العمل والتحقيق، وعلى الرغم من ذلك قرر صندوق النقد الدولي أن الصين قامت بما يكفي من الخطوات من أجل جعل اليوان قابلاً للاستعمال وخاصة عبر فتح أسواق السندات في ذلك البلد أمام المؤسسات الأجنبية وكذلك التحول الى معدلات صرف تتكيف بقدر أكبر مع السوق.

ويستعرض اسوار براساد من جامعة كورنيل في كتابة تحت عنوان "كسب عملة" التكتيكات التي اتبعتها الصين في هذا المسار، ويقول إن سلسلة من المبادرات المتأنية – وتسعير التجارة والقروض الخارجية والمبادلات مع الدول الاخرى – قد دفعت اليوان الى الأسواق العالمية. ويشكل اليوان في الوقت الراهن حوالي 2 في المئة من الدفعات العالمية العابرة للحدود مرتفعاً عن نسبة الصفر قبل خمس سنوات كما أصبح خامس أكثر العملات استخداماً وتداولاً في المعاملات التجارية.

دور السياسة

ومما لا شك فيه أن العوامل السياسية لعبت أيضاً دوراً في قرار صندوق النقد الدولي، وقد ضغطت الصين بشدة من أجل تضمين عملتها في حقوق السحب الخاصة، كما كانت طريقة بالنسبة الى صندوق النقد الدولي بغية الإقرار بالتقدم الذي حققته بكين، ولو بشكل تدريجي، نحو الاصلاح المالي، وكان هناك عنصر التوقع أيضاً بأنه إذا استمرت الصين في السير على طريق التنمية فمن المؤكد أن قيمة اليوان ستزداد.

ومن المفارقات أن صعود اليوان في سجلات صندوق النقد الدولي يأتي بعد سنة شهدت هبوطاً في العملة الصينية في الأسواق العالمية، وتجدر الإشارة إلى أن خفضاً بسيطاً في قيمة اليوان خلال شهر أغسطس من سنة 2015 بهدف جعله أكثر مرونة، قد أطلق عاصفة من التكهنات بأن حكومة بكين تسعى الى خفض أكبر في عملتها من أجل دعم اقتصادها المتباطئ. وقد راهن العديد من الشركات وشريحة واسعة من المستثمرين ضد اليوان، ثم عمد البنك المركزي الصيني في محاولة هدفت الى الدفاع عن تلك العملة الى تشديد رقابته على رأس المال وطرح حوالي 500 مليار دولار من مبالغه الاحتياطية خلال السنة الماضية.

فجوة المخاوف والآمال

يمكن للفجوة بين المخاوف والآمال التي تحيط باليوان أن تبدو في بعض الأحيان مثل صدع في جدار، وبالنسبة الى المتفائلين سوف ينافس اليوان عما قريب العملة الأميركية، أما بالنسبة الى المتشائمين فهي مسألة وقت فقط قبل أن يعاود الهبوط، وفي حقيقة الأمر قد لا يكون هناك ثمة تعارض بين وجهتي النظر، والدولار هو العملة الرائدة في العالم ولكنه يتعرض لموجات من خفض قيمته.

وعلى الرغم من ذلك، يوجد فارق كبير أيضاً بين كون عملة ما احتياطية وبين كونها مهيمنة في الأسواق العالمية، وكما يجادل السيد براساد فإن أسلوب الصين يمكن أن يصل عما قريب الى حدوده القصوى.

وفي نهاية المطاف ومن أجل أن يشكل اليوان تحدياً حقيقياً للدولار يتعين على الصين أن تكسب الثقة على شكل ملاذ آمن للأصول، وهي لن تكون في حاجة فقط الى أسواق مالية أعمق وأكثر انفتاحاً بل الى نظام سياسي منفتح يخضع لحكم القانون، وسوف يكون ذلك الانتقال عملية كيمياء من نوع مختلف.