هذه أوقات صعبة بالنسبة إلى العملة البريطانية، وعشية التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو الماضي كان سعر الجنيه الاسترليني مقابل الدولار يبلغ 1.48 ولكنه هبط منذ ذلك الوقت بأكثر من 16 في المئة ليصل الى 1.22 مقابل الدولار، وقد حدث حوالي نصف هذا الهبوط خلال الأسبوع الماضي بشكل تقريبي مع إعلان الحكومة المحافظة خططاً للخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل يخرج بريطانيا من السوق الواحدة في مقابل خفض مستويات الهجرة.

وشرحت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية العلاقة بين البريكست وتراجع قيمة الجنيه الاسترليني، وقالت إن الأسواق تتوقع أن تزداد تكلفة بيع الشركات البريطانية لبضائعها وخدماتها في أوروبا، كما أن الأوروبيين سوف يشترون كميات أقل من تلك البضائع وبالتالي سوف يقل حجم الطلب على الاسترليني ما يفضي في نهاية المطاف الى إضعافه، وهذا يعني بالتالي أن الاسترليني الرخيص أصبح جزءا من تعديل في خسارة التنافسية البريطانية، وهي الآلية التي يصبح فيها المواطن البريطاني أقل قدرة على الانفاق من أجل شراء بضائع أجنبية (التي غدت عزيزة في الوقت الراهن) كثمن لخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي.

Ad

وكما قالت الصحيفة الأميركية فإن ذلك ليس كل شيء، وبريطانيا في وضع جيد وهي قادرة على انتاج متاجر للثروة تتمثل في سندات الحكومة البريطانية وعقارات لندن والجنيه الاسترليني نفسه، ثم إن القدرة على انتاج مثل هذه الأشياء التي يريد الأجانب امتلاكها تشبه الى حد ما امتلاك منجم ذهب أو مكامن نفط غنية، ويشتري الأجانب الكثير من هذه الأشياء القيمة، ما يفضي الى رفع سعر الاسترليني وجعْل البريطانيين أكثر ثراء، ولكن الصادرات أكثر تكلفة مما يجب أن تكون عليه، وبالتالي فإن العديد من الشركات تتنافس بشدة، وإضافة الى ذلك فإن البريكست يهدد قيمة تلك الأصول السحرية.

وعلى أي حال فإن البريكست يشبه قرار دولة نفطية بالتخلي عن المنتجات البترولية حتى إذا كان ذلك سوف يعني جعل شعبها أكثر فقراً، ويدفع هذا الوضع الى التفكير في غياب السياسة التي دفعت الناخبين الى جعل أنفسهم أكثر فقراً بحيث يضطرون الى العمل بجهد أكبر من أجل نيل ما يحصلون عليه.

تداعيات محتملة

وهكذا يتحول البريكست الى اختبار مفيد لمناهضة العولمة وإقامة حواجز في وجه التدفق الحر للبضائع والخدمات ورأس المال، وقد يعالج أيضاً البعض من المظالم المتعلقة بحملات مناهضة العولمة، وإذا قامت بريطانيا بتصدير كميات أقل من الخدمات المالية وكميات أكثر من البضائع المصنعة والمزيد من السياحة فإن فجوة الدخل بين العاصمة لندن وبين بقية أنحاء البلاد سوف تضيق.

وفي نهاية المطاف قد يصبح البريطانيون أكثر فقراً بقدر ضئيل مما لو استمروا ضمن الاتحاد الأوروبي ولكنهم سوف يصبحون أكثر اعتماداً على النفس وأكثر سيطرة على حدودهم.

وهناك ملاحظتان حول هذه الصورة المستحدثة: الأولى هي أنه ليس من الواضح أن الشركات الصناعية سوف تكون الرابحة بشكل مؤكد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن المؤكد أيضاً أن الخدمات المالية سوف تتضرر، وهذه حقيقة. وعلى الرغم من ذلك فإن الصناعة البريطانية قد تواجه صعوبة أكبر في دخول أسواق أجنبية جديدة غير الخدمات البريطانية. وفي تجارة السلع تتسم المسافة والبعد بأهمية واضحة.

ومن المفارقة أن الثورة الرقمية عززت أهمية المسافات من خلال توفير نمو في تجارة سلسلة الامداد، يتمثل في التنسيق في الانتاج عبر موردين في العديد من الدول المختلفة. وإذا كان الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يكلف الشركات البريطانية مراكزها ضمن سلسلة الامداد في القارة الأوروبية فإن تلك الشركات سوف تجد صعوبة في التحول والاندماج في سلاسل الانتاج في آسيا أو أميركا الشمالية لأن تلك الأماكن، ببساطة، بعيدة جداً.

ثم إن الخروج من الاتحاد الأوروبي لن يغير حقيقة أن بريطانيا على مقربة من مجموعة من الدول الأوروبية الغنية.

وتتمثل الملاحظة الثانية في مسألة الاعتماد على النفس، والمواطن البريطاني لن يصبح أكثر اعتماداً على النفس نتيجة خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، وربما كان هذا ما استهدفه من اختار الخروج من الاتحاد وتأكيد الأمة كجسم مدني أكثر أهمية يثبط التنمية، وقد تكون تلك هي حصيلة التصويت في شهر يونيو الماضي، بشكل جزئي، وربما تهبط أحجام التجارة بقدر قليل، وكما لاحظ مقال صحيفة وول ستريت جورنال فإن المواطن البريطاني سوف ينفق كمية أقل من الوقت في العطلات في أماكن مكلفة.

ولكن على الرغم من ذلك، وسواء كان المواطن البريطاني يبيع الذهب أوالخضار إلى الأجانب، فهو سوف يستمر في الاعتماد عليهم، والاعتماد على النفس في هذه الحالة هو شيء مختلف في الواقع، وهي نظرة محافظة للنزعة الانكليزية التي تشمل رفض لندن وبروكسل في آن معاً.

وأخيراً، يتعين أن يكون واضحاً أن ما تحقق هو القدرة على إبعاد شريحة معينة من الناس عن بريطانيا، تلك التي لا تشبه بما يكفي المجتمع البريطاني، ولا شيء سوف يجعل هبوط الجنيه الاسترليني أكثر صعوبة من الخروج من دائرة الحياة البريطانية.