نقطة: أشتاق لك وأنت الوطن...
فوز المغني وكاتب الأغاني بوب ديلان بجائزة نوبل للأدب جاء ليعيد الاعتبار لجميع كُتاب الأغاني والشعر الغنائي في العالم، ويضعهم في مقامهم المستحق، فقد ظل الناس حتى يوم أمس الأول ينظرون إلى كُتاب الأغنية نظرة أقل جدية من نظرتهم إلى الشعراء أو الكُتاب الأكثر نخبوية وشعوراً بالتعالي، رغم أن أغانيهم تعيش معهم وبينهم، أو بالأصح هم يعيشون معها وبينها، وتسهم في تشكيل وجدانهم ومنظورهم للحياة والآخر، بينما أغلب الشعراء في أفضل أحوالهم يعيش نتاجهم بين دفات الكتب، ولا نستذكر أبياتهم إلا عند الحاجة، وغالباً ما يكون استذكاراً غير صحيح.قد تكون هذه الفرصة مناسبة أيضاً للاهتمام منا أكثر بالأدب والفنون والشعر والشعراء وكُتاب الأغاني، وكل ما يجعل حياتنا أكثر قابلية للعيش في هذا المكان، والتقليل في المقابل من عملية التسييس المبرمج لكل شيء وتلميع السياسيين ونفخهم وترميز كل من هب ودب، خصوصاً من يستمدون أهميتهم من تنكيدهم علينا لا من علمهم "النافع"، فالحياة ليست حل مجالس وانتخابات ومفاتيح واستجوابات فقط، وهم فعلاً أهم، فأنت بالتأكيد لا تعرف أسماء كل النواب والوزراء السابقين أو حتى الحاليين، لكنك بالخبرة تعرف من هو كاتب "وطن النهار" أو "أنا رديت" أو "ربي يعز شانج" وغيرها الكثير.
فلدينا بالكويت مثلاً مجموعة عظيمة من كُتاب الأغاني، الذين ساهموا بدورهم في رسم عواطف وأحاسيس وذكريات أجيال متعاقبة منذ سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم، بالإضافة إلى توثيقهم نوعاً ما لملامح مرحلة اجتماعية كاملة من عمر الكويت والخليج بصفة عامة في أغانيهم، وفي ظل عقدتنا بتقليد الغرب قد تكون الفرصة مواتية الآن لرعايتهم وإعطائهم مكانتهم المستحقة أدبياً ورسمياً، فمنهم على سبيل المثال يوسف ناصر المتميز في أسلوبه السهل الممتنع، والذي لو لم يكتب سوى "أحسب الجيات" و"جيتك حبيبي" لاستحق فعلاً أن يسمى باسمه شارع كبير، خصوصاً أنه من دعاة المجيء دائماً، فما أجمل- رغم تحفظي عن المبدأ- أن يطل منزلك على شارع مسمى، على الأقل، باسم شاعر مرهف الحس بدلاً من أسماء اللصوص، أو ناس بلا إحساس في أفضل الحالات، ولا يفوتنا هنا ذكر بدر بورسلي الذي يتميز بقدرته الفائقة على صياغة الأغنية التي تحتل القلب والذاكرة ببساطتها وعفويتها وتميزها بالمفردة الكويتية الأصيلة، فبدر هو من جعل محمد عبده يردد... ("قلتي يصير" و"لفحتي" بالشعر الحرير) أما ثلاثيته "غريب، أعترفلج، باختصار" فأظنها كانت وستبقى مانفيستو العشاق في الكويت والخليج، أنا لست ناقداً فنياً ولا ناشطاً سياسياً والحمدلله لكن أغنية "محتاج لها" لو بيدي لاستبدلتها بأغلب استجوابات مجلس الأمة منذ تأسيسه حتى 10 سنوات مقبلة.