بين لبنان وألمانيا تتنقل ريشة الرسام التشكيلي بول غوسيان، عازفاً على وتر عبور الزمن ليرسم لبنان الماضي: قطارات مهملة وقلعة بعلبك، وألمانيا اليوم... تغطي ضربات جريئة المساحة البيضاء التي تتحوّل بسرعة إلى ألوان تنبض بالقلق، كل ذلك ضمن خصوصية يتميّز بها الفنان في اختيار مواضيعه وطريقة رسمها، وتدرّج من رؤية شخصية وفنية واضحة إلى التطلّع نحو الماضي والحاضر.
عالم من التوقعات
يتحدّر بول غوسيان من سلالة من الرسامين الموهوبين، ويحوطه عالم كامل من التوقعات. تترجم لوحاته المعاناة الداخلية والسعي إلى فهم هويته كفنان وتحديدها، وكمواطن متحدر من عالمين: لبنان وألمانيا. على غرار رسامي عصر النهضة الذين يغوصون عبر لوحاتهم في أعماق الذات، من خلال رسم بورتريه خاص بهم ويأسرون روحهم من خلاله، صنع بول غوسيان لنفسه هذه الصورة عبر الاطلاع على أعمال كبار سادة الرسم ومعترفاً بتأثيرهم في فنه، وابتكار نوع من الترابط والانتماء مع أساتذة الرسم في الأوقات كافة، حتى ليخال المشاهد أنه أمام لوحة لا تمتّ إلى زمن ومكان معينين بل هي فعلاً جواز عبور إلى عوالم مختلفة يمتزج فيها المرئي واللامرئي، وتضفي غموضاً ساحراً أين منه العوالم التي تنسجها الحكايات وتلونها الأحلام! في مشاهد أخرى، يبدو أن بول غوسيان ينهل أفكاره من وقتنا الحاضر، ففي لوحتي {الملاكم} (ربما صورة الذات) و{ملاكمَان في الحلبة}، يستخدم الفنان رموزاً للتعبير عن مخاوفه وعن الكفاح والنضال، ربما مع النفس أو ربما في مكان يحاصَر فيه الأشخاص، فيما يرمز قفازا الملاكم إلى أن هؤلاء المُحاصَرين على أهبة الاستعداد للدفاع عن النفس.أسئلة كثيرة يطرحها غوسيان لجهة الهوية وبناء الذات، تبدو كأنها قاسم مشترك في لوحاته، وتعبّر عن تطلعه إلى الوراء أي الماضي للحصول ربما على أجوبة تمس عمق ذاته وأفكاره ومشاعره. أما مشاهد القطار في لوحاته، فتلمّح إلى أسفاره وإلى رحلته الفنية، وهي ليست سياسية أو اجتماعية، إنما بحث عن الذات الداخلية، رحلة في الزمن، احتفال بانتصار الشعوب وبالأماكن... على هذا النحو يرسم الأساتذة الرواد الآثار والأماكن الرمزية، وعلى هذه الخطى يسير بول غوسيان فتبدو لوحاته كأنها تجمّد الزمن، لا تلميحات فيها لمناطق الحرب أو الدمار، بل إشارات لونية نابعة من لاوعي الفنان، تنبئ بلحظة معينة وقع فيها حادث ما إنما سرعان ما يدخل في خانة الحفظ والتجميد من دون أن تكون له تفاعلات مؤثرة في اللوحة.نبذة
ولد بول غوسيان في لبنان عام 1990، سافر إلى ألمانيا عام 2006 ومنها انتقل إلى لندن عام 2011 لدراسة الفنون الجميلة في كلية كامبرويل للفنون، وتخرج عام 2014. وخلال السنوات التي قضاها في لندن، شارك بول في معارض جماعية، ولدى عودته إلى لبنان شارك في معارض في بيروت، لا سيما{بيروت آرت فير} على مدى ثلاث سنوات متتالية.