يا مصيبة هذه الأمة، فبينما تتعرض لأخطر هجمة لها في تاريخها الحديث عبر مؤامرة خطيرة إيرانية وإسرائيلية وروسية وبتغطية أميركية يتحدث ثقلها الأهم في أرض الكنانة عن رؤية مختلفة لها حول قضايا الأمة العربية، وهي تعني بذلك تجاه ما يحدث في سورية والعراق ولبنان، فعن أي رؤية تتحدث مصر، والعراق وسورية محتلان من إيران؟ وهل يمكن للضمير المصري أن يتحمل مشاهد يوم واحد مما يحدث في حلب؟

عن أي أمن قومي عربي وأي "مسافة سكة" تتحدث مصر والعرب السُّنة يُصفون في العراق وسورية ويحصرون في الزاوية كرعايا أجانب في لبنان، والتغيير الديموغرافي يجري على قدم وساق من البصرة في العراق حتى رأس الناقورة في لبنان، في ما قاسم سليماني يذبح عصب الأمة العربية والإسلامية من الوريد إلى الوريد؟

Ad

هل يمكن لمصر، التي انتفض الخليجيون في عدوان 1956 لنصرتها، وفي قمة الخرطوم 1967 أسست المبادئ السبعة لإطلاق حرب التحرير في أكتوبر 1973، ودعم دول المواجهة، وعلى رأسها مصر، الخليجيون كانوا ومازالوا في ظهر مصر دائماً يعضدونها ويدعمونها، ومازالت العمالة المصرية في دول الخليج العربي تحظى برعاية وأولوية، فلا يمكن لمصر تلك أن تخضعنا جميعاً وأمننا القومي العربي لمقاييس مشاكلها الداخلية، وصراعها مع التيارات الإسلامية السياسية التي خلقت لتلعب هذا الدور في تفتيت الأمة.

لا يمكن فهم لعب القاهرة معنا "بالبيضة والحجر"، ونحن في الخليج العربي نواجه أخطر تحد بعد أن سقط العراق وسورية ولبنان في كف المشروع الفارسي، واليمن تمزقه الميليشيات الإيرانية، وروسيا قتلت 400 ألف سوري في عام واحد، تمهيداً لتقسيم سورية حتى تحظى إسرائيل بنصر استراتيجي تاريخي، بينما مندوب مصر في الأمم المتحدة ينسق مع مندوب النظام السوري، الذي يمثل طائفة صغيرة دمرت بلدها وقسمته وقتلت وعذبت وشردت الملايين من شعبها.

وهنا نسأل قادة مصر: هل فعلاً ما يحدث في سورية هو محاربة داعش أم مشروع حرق المنطقة وإعادة تقسيمها وتفتيتها من أجل المشروعين الفارسي والصهيوني، والذي سيقضي على قلب الأمة العربية بأغلبيتها السنية؟ وهل يمكن أن تثق مصر بجدارة التحالف مع روسيا، ذلك الجسد المفلس الذي يحمل على ظهره صواريخ نووية؟ وفي هذا الشأن على القيادة المصرية أن تراجع نتائج ومرارة تحالف مصر مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، والتي سردها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عشرات المرات.

لا نعلم ماذا تريد منا مصر، تريدنا أن نقف معها في كل أزماتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية، لكنها لا تلتزم معنا بشيء غير الكلام، ولنراها تنسق مع أعدائنا في المحافل الدولية، فهل لا تعي مصر أن إسرائيل تؤزم علاقات واشنطن بالقاهرة لتدفعها إلى الحضن الروسي لاختراق الإجماع العربي في سورية والعراق، بعد أن حولت مصر جامعة الدول العربية إلى قسم في وزارة خارجيتها، ما تفعله مصر تجاه قضايا العرب في العامين الماضيين هو تكرار لرؤى ممالك الأندلس تجاه بعضها البعض قبل سقوطها جميعاً.