لماذا اخترت قصة «الرجل الذي يصعد إلى الطابق العاشر» عنواناً للمجموعة القصصية، رغم أن غالبية أبطال قصصك من النساء؟

أضع نفسي مكان القارئ، وأسأل ما الأمور التي تجذبني إلى كتاب ليست لديّ خبرة مع مؤلفه، لا سيما أنني أبحث غالباً عن قارئ لا يعرفني. من ثم، فإن القارئ يجذبه عنوان كتاب، وغلافه، والنبذة على الغلاف الخلفي، لذا أهتم بهذه التفاصيل كافة. هذا أولاً. أما ثانياً، إذا كانت أكثر قصص المجموعة عن النساء، ألا تكون المساواة في أن يكون العنوان عن الرجل؟

Ad

عُرفت عنك الجرأة في تناول القضايا الاجتماعية، فهل كان ذلك سبباً في اقتحام حياة النساء المهمشات؟

كلمة الجرأة ذات تاريخ سيئ، تُقرن غالباً بالذين يسعون نحو المسكوت عنه، وتعتبر إشارة إلى المجتمع بأن يتجنّب أصحابها. لكن في الخفاء هي إشارة للتعرّف إلى ما يقدمه هذا المجتمع. للحقيقة، لا أحب هذا الوصف، فأنا لست جريئة بما يكفي لأن أُناقش كثيراً من القضايا. أنا ابنة هذا المجتمع محملة بقيوده، مسكونةً بالرقيب الذي غُرس فيّ منذ الصغر مع كلمتي «عيب» و{محرّم». نحن نتحدّث عن التقدم، نريد أن نسابق الأمم ونتبوأ مكانة متقدمة، لكننا في ذات الوقت لا نرغب في معالجة أبسط مشكلاتنا، وحين يقدم أحدهم (هن) على فعل ذلك نصفه بالجريء، أو الجريئة ونحرّض عليه.

أنا لا أفعل شيئاً، بل أتحدّث عن مشكلات تواجهني كامرأة، ربما لم أتعرّض لها بنفسي، لكن آخريات مررن بها، فإلى متى نخبئ رؤوسنا في الرمال، ثم نتحدّث عن مؤامرة علينا لأننا لا نتقدّم؟ حين تحدثت عن النساء المهمشات، تحدثت بطريقتهن ولسانهن، فأين الجرأة في أن أرسم خارطة الوحدة والملل في حياة ربة منزل أو موظفة؟ أظنّ أننا بحاجة إلى إعادة تعريف المصطلحات، فكل شيء حولنا يتغيّر.

ما الهدف من تركيزك في أعمالك السابقة على جسد المرأة؟

يحاسبنا المجتمع على أجسادنا نحن النساء. كثيرون مشغولون بجسد المرأة، يخفونه تماماً أو جزءاً منه، أو يعرضونه للختان، أو يتركونه. لا أحد يتحدّث عن منجزات المرأة، عن دورها في إعالة الأسرة، وفي التعليم، وعن أنها ثاني وأهم رافد إلى جانب مؤسسات التعليم.

تبقى الأحاديث عن المرأة في مجالات تميّزها باهتة لا تشغل أحداً. فإذا ناقشت مشكلات الجسد الذي يشغل المجتمع، هل يشكّل ذلك جريمة؟ مع ذلك، كتبت عن أمور كثيرة، لكن كلها آلت إلى الظل فيما بقيت الموضوعات القليلة، مقارنة بإنتاجي، المعنية بالجسد في دائرة الضوء لتؤكد رأيي.

التمرّد على الواقع

لماذا تبدو فكرة تمرّد المرأة على الواقع الذي تعيشه واضحة في أعمالك؟

لأننا لا نرى نساء الهامش، ولا يفعلن ما يلفت الانتباه، فيما نساء قصصي يخرجن عن السرب ويشكّلن حيواتهن، ويصنعن قرارهن، فنراهن متمردات. عموماً، رغم أن الأصيل في الحياة أن الإنسان، ذكراً وأنثى، مخير، لكن المجتمع لا يعطي للمرأة حقها في الاختيار.

هل يمثّل التمرد جزءاً من شخصيتك؟

الكتابة تمرّد، وأنا كاتبة ولدي جزء من التمرد طبعاً، وإلا ما خرجت من القطيع. لكنه، وكما ذكرت سابقاً، ليس التمرّد الذي أتمناه. أحلم بأن أخطو نحو الأمام، وأشارك في صناعة القرار، إلا أنني ابنة مجتمع يرمق المرأة بنظرة نارية إذا غردت وحيدة، مذكراً إياها أن صوتها عورة.

ثمة كاتبات كثيرات لديهن أطروحات في الحياة، لكن المجتمع بقيوده يحجم انطلاقهن. وما دمت وضعت ابني أمام عيني، فلن أرغب في أن يرث سمعة سيئة لأمه، لأن مجتمعاتنا توصم المرأة في شرفها وسمعتها لتحجيم نشاطها.

إلى أي حد يمكن أن تكون فكرة تمرّد المرأة مقبولة في المجتمعات الشرقية؟

يكون تمرد المرأة مقبولاً اجتماعياً إذا كانت تخدم الصورة العامة التي يرغب في تصديرها عن نفسه. بمعنى أن النظام يتحدث عن دعمه المرأة، فيُعيّن وزيرة، ويترك الحرية لبعض الكاتبات المعارضات، وبعض الفنانات المعارضات، ذلك لرسم صورة كاريكاتيرية عن ديمقراطية المجتمع وتمتّع المرأة بحقوقها. لكن إذا تجاوزت إحداهن الخطوط الحمر، فليس أسهل من وصمها في جرائم الشرف، من ثم يلفظها المجتمع سريعاً.

المرأة والمجتمع

يرى البعض أن كتاباتك تنحصر في تعقيدات العلاقة بين المرأة والمجتمع. ما ردك؟

اعتنى هؤلاء بنقائصهم فلم يروا في كتاباتي سوى هذا الجانب، وهذه ليست مشكلتي. أنا كمؤلفة ليس مطلوباً مني أكثر من الكتابة وتحري الدقة عند ذكر معلومة ما. كتبت روايات للناشئة، ونشرت مئات المقالات نقداً في الأدب والدراما والسينما، وكتبت عن موضوعات عِدة، لكن البعض لم يلتفت إلا إلى ما كتبته عن المرأة.

في مجموعتي القصصية «تماماً كما يحدث في السينما»، قصص عدة بصوت الرجل، فلماذا لم يلمحها أحد؟ وفي مجموعاتي القصصية كافة قصص عن الرجل وبصوته، وعن تعقيدات العلاقة بينه وبين الآخر، ألا يجد هذا البعض في ذلك تميزاً، أن ترى امرأة بعين رجل، وتلتقط مشاعره وتتعرف إلى تفاصيله؟ ورغم ذلك، أنا امرأة ومن البديهي أن أطرح قضايا تهمني أولاً، وأن أنشغل بما تعانيه المرأة نفسياً واجتماعياً.

رغم أنك بدأت الكتابة منذ سنوات طويلة يرى البعض إنتاجك قليلاً، لماذا؟

ماذا تقصد بقليل؟ بدأت النشر في عام 1998، وصدرت لي في حينها مجموعة قصصية ومجموعة قصصية للأطفال. وحتى الآن صدرت لي خمس مجموعات قصصية، ورواية، وللأطفال ست مجموعات قصصية للمرحلة من 6 إلى 10 سنوات، وثلاث روايات للناشئة، وخمسة كتب علمية للناشئة، وكتاب عن المسرح المدرسي، وكتاب أكاديمي عن الأنشطة الثقافية، بالإضافة إلى مئات المقالات في النقد (سينما، دراما، أدب، العلاقات الإنسانية) وعشرات السيناريوهات لأفلام وثائقية وروائية قصيرة، وأظنني محظوظة بهذا الإنتاج الوفير خلال 18 عاماً.

ولع بالطفولة

رغم تميّزها الكبير في الكتابة للمرأة، يبدو جلياً اهتمام الكاتبة عزة سلطان بالكتابة للطفل فصدرت لها مجموعات قصصية للأطفال في المرحلة العمرية من ست إلى عشر سنوات، وثلاث روايات للناشئة. وبعيداً عن القراءة تكتفي بمشاهدة الأفلام كي تثقل موهبتها في كتابة السيناريو.

وحصلت عزة سلطان على جوائز عدة من بينها جائزة النقد الأدبي لإقليم شمال الصعيد الثقافي في عام 2003، والجائزة الأولى في النقد السينمائي من الهيئة العامة لقصور الثقافة في عام 2007، وجائزة عبد الحي أديب للسيناريو في عام 2009.