عشق البنات
![فوزية شويش السالم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1555928838345230500/1555928850000/1280x960.jpg)
فكل بنات ونساء الروايات لا يستطعن أن يعشن بدون حب، وكل واحدة منهن تعاني هذا الفراغ العاطفي، وإن كنا متزوجات، لكن أزواجهن لا يملأون حياتهن العاطفية، وحتى مع وجود أطفالهن إلا أن حاجتهن إلى الحنان والحب والاحتواء الجسدي هو مطلب أساسي لهن، مما دفعني للمقارنة بينهن وبين النساء الخليجيات اللاتي يعاني بعضهن ذات المعاناة مع رجالهن، لكنهن يعشن بجفاف عاطفي يفرغن فيه عاطفتهن على بيوتهن وأولادهن وأعمالهن والزيارات والتسوق بالمولات والجلوس بالمقاهي، لكن لا يبحثن عن حب بديل مهما كان ظمأهن فادحاً، وهذا دليل وبرهان على الطبيعة العاطفية للشعب المصري، هذه العاطفية تزيد من تداخل العلاقات بين الناس وتقلل من فرديتهم، فالعاطفة تشد وتتدخل بكل تفاصيل حياتهم، وهو ما شعرته في عالم المدرسة المحكوم بفضاء محدد جعل حياة من فيه مكشوفة تماما للآخرين، لا عزلة ولا فردية ولا حياة خاصة، الكل يعيش حياة مفتوحة ومعلنة للجميع، وأيضا دفعتني هويدا للمقارنة بين تكتم الحياة في الخليج وانفتاحها بمصر أقصد الحياة الخاصة، ففي مدرسة هويدا لا سر يخفى عن الجميع، أسرار الحياة الاجتماعية مشاعة ولا غضاضة بذلك."عشق البنات" رواية جريئة تفتح بصراحة أشواق وأوجاع النساء النفسية وآلامهن العاطفية، وعدم تفهم الرجل لطبيعة المرأة وحاجتها إلى الاحتواء والتفهم، والمشاركة بالعلاقة الجسدية الحسية بالتساوي بينهما، هويدا استطاعت تقشير هذه العلاقات غير المتوازنة وكشف مستورها بأصابع جراح نكأها، لتبين الحياة الهشة التي تعيشها النساء تحت مسميات مختلفة للغبن والانكسار وظمأ الجسد وغربة الروح عن وجودها.عوالم النساء الحميمة التي لا يعرفها أحد والغوص بأعماقهن واستجلاء أحلامهن وآمالهن من خلال شخصيات المدرسات اللاتي يمثلن نماذج مختلفة عبرت عنها بطلات الرواية سلوى ووفاء ومها وسمية وعلياء وانتصار وسهير وابتسام ومنال وأخريات أرهقني التنقل بينهن ومعرفة حكاياتهن، أجادت هويدا بتجلياتها عنهن مثل هذا الوصف الذي كتبته: "لما أكون ماشية في الشارع وأبص في وجوه الستات أشوف عليها كدرة وشقاء غير مبرر، وعيون دبلانة ومنطفئة، أعرف أن معهن رجالا خائبين فقدوا آدميتهم في اللهاث وراء لقمة العيش، كل امرأة تبدو عليها الكآبة وضياع الروح يبقى معاها راجل معرفش يلمس روحها أكيد".كتابة مثل هذه تحتاج بالفعل إلى كاتب له قدرة على فهم وفك غرز واشتباكات خيوط الحياة الاجتماعية والغوص فيها، ليس فقط كمراقبة بل كمعايشة وطبيعة مخلوقة اجتماعية، وهو ما توفر في الكاتبة ونجحت في نقله على الورق: "وأرى كل نسائك بائسات معذبات بحرية متوهمة، حرية لم يستطعن دفع ثمنها، صنعت خطوط شخصياتهن بدقة وقصدية، جعلت كل نسائك فاضلات ومقهورات".ورغم قولها إن هذه الشخصيات ليست إلا كائنات مشكلة من قبلها فإن حتى التشكيل لا يأتي من فراغ، ففكر الكاتب وليد مجتمعه.