في ظل أزمة استحكمت في الدورة 32 لمهرجان الإسكندرية السينمائي، ما دعا الصحف إلى ملاحقة الحدث، وإفراد صفحاتها لتغطية ما أطلقت عليه «الكوارث اليومية» من فوضى وعشوائية، طاولت الاتهامات وزير الثقافة في مصر، الذي قيل إنه تجاهل الأمر، ولم يحرك ساكناً، فيما رأى آخرون أنه «شريك» في المسؤولية بـ «الصمت العاجز»، ما كان سبباً، في ما أظن، في محادثة هاتفية أجراها معي مسؤول كبير في وزارة الثقافة، وبدأها بقوله: «عجباً لكم أيها الصحافيون والنقاد... انتقدتم الوزير وفات عليكم أن تقرؤوا المغزى والدلالة وراء امتناعه عن حضور حفلة ختام المهرجان!»، فقاطعته: «ليس جديداً أن يغيب الوزير عن حفلات ختام مهرجان الإسكندرية، إذ اعتدنا ذلك من الوزير السابق فاروق حسني»، فعاد يقول: «الأمر جد مختلف هذه المرة لأن الوزير لم يحضر بنفسه مثلما امتنع، بإرادته، عن اتخاذ قرار بتكليف أحد معاونيه بالإنابة عنه في حضور الختام .. وكان يستطيع تكليف مستشاره لشؤون السينما الذي كان في الإسكندرية طوال أيام المهرجان ولكنها إشارة لمن يعنيه الأمر!».أعترف بأنني لم أقرأ «الإشارة»، لأنني لم أكن أعرف «معلومة» أن سيادته تعمد ألا يكلف أحداً بالحضور، وهو ما يعني، ضمنياً، أنه غاضب بشكل ما، وهو ما برر، بالتالي، الاجتماع العاجل الذي عقدته اللجنة المشكلة من اللجنة العليا للمهرجانات، برئاسة المخرج خالد يوسف، صبيحة اليوم التالي لختام الدورة 32 للمهرجان، لرصد وتقييم الدورة وإعداد تقرير عاجل بشأنها، وهو التحرك الإيجابي السريع وغير المعتاد، وإن نظر البعض إلى الخطوة بوصفها محاولة لامتصاص الغضب ليس أكثر، فيما تساءل البعض الآخر عن كيفية تشكيل اللجنة، وعما إذا كانت للتوازنات علاقة بقرار التشكيل!
الخلاصة أن وزارة الثقافة كانت سباقة فعلاً في التحرك لمواجهة وتدارك ما حدث في الإسكندرية، كما كانت حاسمة وقاطعة في تأكيدها لي، على لسان أحد قيادييها، أن اللجنة العليا للمهرجانات «لا تستهدف إغلاق نافذة سينمائية ممثلة في مهرجان عريق، وإنما تصويب المسار، والحفاظ على هوية المهرجان، التي طُمست في الآونة الأخيرة»، فيما أضافت قيادة أخرى أن «الإجراء الذي اتبع مع مهرجان الإسكندرية سيتم تطبيقه على جميع المهرجانات المصرية، وهو ما يعني أن اللجنة العليا ستلتزم بتشكيل لجنة لمتابعة التفاصيل الخاصة بكل دورة جديدة للمهرجانات الموجودة على الساحة»، وفي حال امتناع إدارة أي مهرجان يحصل على دعم من الدولة، ويخضع لإشراف اللجنة العليا للمهرجانات، عن التجاوب مع قرارات اللجنة بعد اتخاذها، فإن الوزارة ستلجأ إلى «إيقاف الدعم المقدم من الدولة أو تخفيضه».اللافت أن اللجنة المصغرة، التي تكونت من: المنتج د. محمد العدل، نقيب السينمائيين مسعد فودة، د. خالد عبد الجليل مستشار وزير الثقافة لشؤون السينما، الناقد طارق الشناوي والناقدة ماجدة موريس، استقر رأيها على «ضرورة الالتزام التام من أي مهرجان بنطاقه النوعي والجغرافي، وعدم الخروج عن ذلك إلا في الظروف القصوى»، ما يعني الحفاظ على هوية، وخصوصية، المهرجانات السينمائية في مصر، بعد فترة من الفوضى كانت سبباً في اختلاط الحابل بالنابل، وتحول غالبيتها، بسبب العشوائية وغياب الرقابة، إلى «عزب» أو ممتلكات خاصة، فضلاً عن سيطرة المصالح الشخصية، والتحرك من نظرة نفعية ضيقة بالدرجة التي جعلت مهرجاناً لدول حوض البحر المتوسط يستضيف أفلاماً خليجية، ويبلغ عدد المسابقات في دورة واحدة ست مسابقات تضم، على أقل تقدير، ما يقرب من 18 عضو لجنة تحكيم. ومع ضياع الهوية سادت الفوضى، وعمّ التخبّط، وترهل الأداء الإداري، وأصبحت المهرجانات فرصة لعقد الصفقات تحت مسمى «توقيع بروتوكول التعاون» أو «اتفاقات التوأمة» لتبادل الخبرات، التي تسفر في النهاية عن «تبادل الزيارات والمجاملات» ليس أكثر!«رُبَّ ضارة نافعة» فأغلب الظن أن وزارة الثقافة ما كانت لتتحرك، وتواجه، وتُعلن نيتها، وقدرتها، على الحسم، وإيقاف العبث الذي استشرى، والتسيب الذي تغلغل، لولا الأحداث العاصفة، والنهاية البائسة، التي شهدتها الدورة الثانية والثلاثون لمهرجان الإسكندرية السينمائي، وكانت فرصة لمراجعة الموقف برمته، واتخاذ قرار جريء باقتحام «عش الدبابير» المسمى «سبوبة المهرجانات المصرية»، التي لا أعفي وزراء ثقافة سابقين من تكريسها، وتعميمها. فالقرار الذي أصدره عماد أبو غازي وزير الثقافة السابق برفع العبء عن الدولة، وتحرير المهرجانات من وصاية وسطوة وسيطرة وزارة الثقافة، وترك الفرصة للجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظماته لإدارة المهرجانات في مقابل تعهد وزارة الثقافة بتحمل سداد نصف الميزانية المحددة لأي مهرجان، بعد التأكد من مطابقته الشروط والمعايير المحددة، ما يُعد سبباً رئيساً في الوبال الذي أصاب الساحة بعدما تسابق الانتهازيون إلى الدعوة لتدشين مهرجانات لا هدف منها سوى الحصول على «دعم الوزارة»!
توابل - سيما
«صمت الوزير»!
17-10-2016