ما تأثير الخلاف الأميركي الروسي في سورية؟
بعد يوم على إصدار الولايات المتحدة بياناً صحافياً أعلنت فيه تعليق المحادثات مع روسيا بشأن تطبيق وقف للأعمال العدائية في سورية، تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" عن انعقاد مجلس الأمن القومي الأميركي لمناقشة تنفيذ ضربات محتملة ضد الجيش السوري تشمل خيارات مثل قصف المدارج بصواريخ جوالة بهدف إبطاء، حسبما يُفترض، الضربات الجوية السورية أو إيقافها (وخصوصاً في حلب). ولكن في اليوم التالي بدا أن متحدثاً باسم وزير الدفاع الروسي يرد مباشرة على هذا المقال، فقد حذّر الولايات المتحدة في مؤتمر صحافي من أن روسيا نشرت أنظمة صاروخية من نوع S-300 وS-400 في منشآتها في سورية، وأن الضربات الجوية الأميركية تهدد الجنود الروس "على الأرض" في هذا البلد، وأن طواقم عمل الدفاع الجوي الروسي "لن يتسنى لهم" الوقت الكافي لتقييم الاعتداءات المقبلة كي يتمكنوا من تحديد مساراتهم الجوية. وفي غضون 72 ساعة من تعليق الولايات المتحدة الاتفاق السوري، أمر بوتين بانسحاب روسيا من الاتفاق الروسي-الأميركي الذي يقضي باستعادة فائض البلوتونيوم للحؤول دون استخدامه في الأسلحة النووية، فضلاً عن اتفاقين آخرين في مجال التعاون النووي. في الأمر التنفيذي الرئاسي، برر بوتين قراره بشأن اتفاق البلوتونيوم بالإشارة إلى "خطوات غير ودية اتخذتها الولايات المتحدة في علاقاتها مع الدولة الروسية الفدرالية"، قبل أن يعبّر عن أي مخاوف أخرى، ولم يقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عند هذا الحد، بل أعلن أيضاً: "يشكّل قرارنا إشارة إلى واشنطن إلى أنها لا تستطيع اللجوء إلى لغة القوة، والعقوبات، والتحذيرات في تعاملها مع روسيا، فيما تواصل تعاونها الانتقائي مع بلدنا عندما يعود ذلك بالفائدة على الولايات المتحدة". لا شك أن انهيار العلاقات الأميركية-الروسية سيكون له تداعيات عميقة على الحرب الأهلية السورية والشرق الأوسط، ومن العواقب الفورية تبدُّد الأمل بأن يساهم التعاون مع الولايات المتحدة في الحد من مساعدة موسكو القوات السورية، وخصوصاً في حلب وحولها، فقد تحوّل هدف روسيا في حلب من الفوز باعتراف الولايات المتحدة "باستعادتها مكانتها كقوة عالمية كبرى" من خلال المفاوضات والأعمال العسكرية المشتركة ضد المتطرفين إلى مساعدة دمشق "على إنزال الهزيمة بخليط المعارضة وجبهة النصرة في شرق حلب"، علما أن هذه الخطوة، إن كُتب لها النجاح، ستعزز النفوذ الروسي في سورية وموقفها في التعاطي مع الولايات المتحدة. لم يتضح بعد ما سيكون رد الإدارة الأميركية، مع أن الصحف تشير إلى أن أوباما ما زال متردداً بشأن العمل العسكري الأميركي. رغم ذلك يبدو أن تعزيز العمليات الجوية الروسية لن يؤدي إلى مكاسب لقوات الحكومة السورية فحسب، بل سيرفع أيضاً حصيلة الضحايا المدنيين، وسيزيد الاستياء المتنامي في واشنطن وأوروبا وبعض الدول في المنطقة. علاوة على ذلك، إذا لاحظ الرئيس السوري بشار الأسد أن روسيا تردع بفاعلية أي تدخل أميركي كبير ، فسيواجه الجيش السوري عندئذٍ قيوداً أقل في مناوراته التكتيكية أيضاً. نتيجة لذلك، ينشأ عدد من الأسئلة المهمة: أولاً، إلى أي حد تُعتبر الحكومات المناهضة للأسد في الشرق الأوسط مستعدة أن تصل لتمنع موسكو ودمشق من إنزال الهزيمة بالقوات المعارضة للأسد (سواء كانت معتدلة أو لا) في حلب وحولها، وخصوصاً إن أخذَت في الحسبان أن إدارة أوباما لن تدعم هذا الهجوم على الأرض؟ وما سيكون رد روسيا على خطوة مماثلة؟ ثانياً، ما ستفعل تركيا؟ لا شك أن جهود الرئيس التركي إردوغان الهادفة إلى الجمع بين عضوية حلف شمال الأطلسي ومحاولة التقرب من روسيا ستصبح أكثر صعوبة، شأنها في ذلك شأن سياساته تجاه روسيا وسورية. فهل يرغم حلف شمال الأطلسي أو الأحوال داخل سورية أنقرة على الاختيار؟ وأخيراً، هل تشارك القوات العسكرية الأميركية فعلاً في القتال المباشر، سواء عمداً أو نتيجة أخطاء أو حسابات مغلوطة؟ وإن حدث ذلك، فهل تؤدي هذه الخطوة إلى صراع في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط وخارجه؟
لا شك أن أسئلة مماثلة كثيرة لن تقض مضجع السياسيين في موسكو وواشنطن فحسب، بل في عدد كبير من عواصم العالم أيضاً.