بالطبع... يجب ألا يكون مُستغرباً تواصُل تمادي "الحوثيين" والذين يقفون وراءهم، إيران وأيضاً روسيا، في استهداف المدمرات والبوارج الأميركية التي تعبر باب المندب، فالميوعة السياسية التي اتبعها باراك أوباما، وبخاصة منذ بداية ولايته الثانية، حتى بالنسبة للقضايا الدولية الملتهبة التي تشكل تحدياً للولايات المتحدة كدولة، هي التي تشجع الإيرانيين، بدفعٍ ودعمٍ من الروس، على هذا التمادي في إهانة هذه الدولة "العظمى" التي من المفترض أنها إنْ هي أطلقت "نَحْنحة" خافتة وخفيفة ترتجف فرائص بوتين ومعه نظام طهران.

إنَّ من لديه معرفة، ولو محدودة، بألاعيب الأمم ومناورات الدول لابد أنه أدرك أنَّ استهداف المدمرات الأميركية في الوقت الذي كانت تجري محادثات لوزان الفاشلة هو من قبيل الإمعان في إظهار ضعف إدارة أوباما الذي، على غير ما كان متوقعاً من مشاوراته مع قادة أجهزته الأمنية، قد أرسل وزير خارجيته كيري إلى لقاء هذه المدينة السويسرية، بتعليمات باهتة بأن عليه أن يركز على ضرورة الحل السلمي للأزمة السورية، وأن يبتعد، ليس بقدر الإمكان وإنما قطعياً، عن التطرق، ولو تلويحاً، إلى الحلول العسكرية!

Ad

"مَن يَهُنْ يسهُل الهوانُ عليه"، ويقيناً أنَّ "كُساح" إدارة الرئيس أوباما السياسي المبكر تجاه الأزمة السورية، وميوعة المواقف التي اتخذتها واتبعتها هذه الإدارة تجاه هذه الأزمة التي كانت قد تحولت منذ أيامها الأولى إلى أزمة دولية مصيرية، هما ما جعلا روسيا تتحول إلى دولة عظمى، وإنْ مؤقتاً، وهو ما جعل الروس يعودون إلى هذه المنطقة وبكل هذه القوة، بعد غياب بقي مستمراً ومتواصلاً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ويحولون سورية كلها إلى قاعدة عسكرية ويملأون شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية بأساطيلهم وبمدمراتهم الحربية.

كان الاعتقاد أن أوباما في نهايات ولايته التي اقترب موعد رحيلها، غير مأسوف عليها، "سيشرب حليب السباع"، ولو بمجرد التلويح بالقوة دون أنْ يستخدمها، لكن يبدو "أن الطبع يغلب التطبُّع"، وأن من شبَّ على أمرٍ سيشيب عليه، ويقيناً أنَّ كل هذا قد عرفه الروس وقد تأكدوا منه، ولذلك فإنهم، في الوقت الذي أوصى فيه الرئيس الأميركي وزير خارجيته بأن يركز على حلِّ الأزمة السورية سلمياً ويبتعد عن مجرد الإشارة إلى الحلول العسكرية، قد بادروا إلى إرسال المزيد من مدمراتهم الحربية إلى الشواطئ السورية، وإلى تكثيف غارات "قاصفاتهم" الإستراتيجية على حلب وعلى غيرها... وأيضاً إلى دفع إيران لتوجيه إهانة جديدة لأميركا في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب.

ربما أن هناك من يجد عذراً للرئيس أوباما على أساس أن إدارته قد أصبحت بكل هذا الضعف وأنها غدت "بطة عرجاء" نظراً لاحتدام معركة الانتخابات الرئاسية، لكن المفترض أنّه حتى المتابع العادي لابد أنه أدرك مبكراً أن الرئيس الأميركي قد أصبح هذه "البطة العرجاء" منذ بدايات ولايته الثانية، وربما قبل ذلك، وأن بوتين الذي أصبح يسعى لاستعادة "أمجاد" الاتحاد السوفياتي، عندما كان في ذروة تألقه وقوته، قد استغل هذه الفرصة وفعل كل هذا الذي فعله ولا يزال يفعله في سورية وفي الشرق الأوسط، فأظهر أن الولايات المتحدة لم تعد على ما كانت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة!