الأم مدرسة الحياة

نشر في 19-10-2016
آخر تحديث 19-10-2016 | 00:00
 طالب الرفاعي على أثر مقال الأسبوع الماضي "أطفال ثقافة الضياع" وصل إليّ أكثر من رسالة تلفونية وأكثر من اتصال، تحمل بعض عتبٍ على ما يبدو أنه شيء من القسوة بدا في المقال تجاه المرأة، وخاصة تأكيد دورها في تربية أطفالها. وأوضحت الاتصالات أن الأب هو شريك في التربية والتنشئة يجب أن يتحمل نصف العبء إن لم يكن أكثر في مجتمع رجولي. ولأنني ومنذ بدأت حياتي ككاتب أقف إلى جانب قضايا المرأة فلقد وددت التأكيد على قناعتي بأهمية دور المرأة في تربية أبنائها، وأنا أعتقد، وهذه قناعة خاصة، أن دور المرأة، حتى في حضور الرجل، هو الدور الأهم، وهو الدور الذي يبقى منزرعاً في لاوعي الطفل، لاسيما أن مدارس علم النفس ترى أن أول ثلاث إلى خمس سنوات من عمر الطفل ربما تكون هي السنوات الأهم في حياته، وأن الإنسان يعيش بقية عمره متأثراً بهذه السنوات.

أعايش بشكل يومي معاناة المرأة العاملة في المجتمع الكويتي، ولا أظنها تختلف عن معاناة المرأة العربية بصفة عامة، فهي مسؤولة عن رعاية أطفالها منذ لحظة يستيقظون صباحاً وإلى لحظة يجرّون خطواتهم النعِسة إلى أسرتهم ليلاً. بدءا من إيقاظهم، مروراً بإطعامهم والاعتناء بهندامهم المدرسي، عبوراً فوق إيصالهم إلى مدارسهم، والعودة إليهم لأخذهم، والجلوس معهم إلى مائدة الغداء، ومن ثم تدريسهم وتلبية كل ما يتعلق به، وأخيراً ملاحقة لعبهم إلى حين نومهم. هذا مع ضرورة التنبيه إلى أن المرأة العاملة تخرج كالرجل إلى مقر عملها صباحاً لتكون هناك ما بين الثامنة والواحدة والنصف، وأنها مسؤولة مسؤولية كاملة عن رعاية شؤون البيت بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى.

نعم، تكاد متطلبات الأبناء والبيت والعمل أن تأتي على يوم المرأة العاملة، حتى أنها لحظة تأوي إلى فراشها، وتقوم بجرد ما مرَّ بها في يومها، تجد النصيب الأوفر قد ذهب إلى أبنائها. وأنا حين أقول ما أقول لا أنطلق من مجرد تصوّر، بل هو واقع أعيشه مع أقرب النساء اللاتي أعرف، وهذا يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن دور المرأة هو الدور المحوري والأساسي، علماً بأن رجال كثراً، خاصة من الجيل الشاب، باتوا يقتسمون مسؤولية تربية الأبناء مع زوجاتهم، وهذا ما يبشر بالخير، ويثبت أن المرأة والرجل، والزوجة والزوج، كلاهما في القارب نفسه، وكلاهما يؤدي دوراً مهماً في تربية الأبناء.

الشق الثقافي في الموضوع، هو أنني أرى أن المرأة، وبالنظر إلى طبيعتها جسدياً ونفسياً، وعلى مر التاريخ البشري، كانت هي الأقدر على احتضان أطفالها واللعب معهم وإيصال الفكر والقصة والحكاية إليهم كأجمل ما يكون. نعم، حكاية تأتي بصوت الأم أو الجدة لها مذاق خاص يبقى ملتصقاً بخفق القلب، ويبقى يصاحب الطفل طوال حياته، وإذا ما أخذنا بالحسبان أننا نعيش في مجتمعات رجولية فإن الرجل كان على الدوام منشغلاً بعالم الخارج تاركاً مجتمع الداخل/الأسرة للزوجة أو أي امرأة تنوب عنها، ولذا يعطي المشرّع في معظم قوانين الدول حق حضانة الأطفال للمرأة عند الطلاق، بما في ذلك قانون الأحوال الشخصية في الكويت.

المرأة كما تحنو على طفلها وترضعه نسغ الحياة والعافية، فإنها تسهر عليه وهو يخطو خطواته الأولى، ومع نسغ الحياة، ترضعه الصوت والرائحة واللون والكلمة. حضن الأم/حضن الحياة هو الدنيا الأولى التي يفتح الطفل عينيه عليها، ولذا فإن مهمة الأم أكبر، ولذا فهي أعظم، قلت في مقالي السابق؛ إن دور الأم أهم بكثير من دور الرجل دون التقليل من دور الرجل.

حافظ إبراهيم يقول إن الأم مدرسة، وأنا أقول إنها مدرسة الحياة الأهم.

back to top