مسلمون يعظون نساء الغرب... في الكنائس (1-3)

نشر في 19-10-2016
آخر تحديث 19-10-2016 | 00:10
 خليل علي حيدر "جاء القرآن من الأزل وسيدوم إلى الأبد، فهذا الكتاب ذو البيان المعجز من الله تعالى الذي أحاط علماً بأدق التفاصيل لكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل". ويضيف الداعية فتح الله غولن: "أجل: كلما مر الزمان تجدد شباب القرآن، كما يزداد نضج الإنسان وقدرة ذهنه على التحليل والتركيب، وتزداد تجاربه وخبرته بمرور الزمن، والأمر وارد أيضا بالنسبة إلى علوم الكيمياء والفلك والفيزياء والطب والعلوم الأخرى، فكأنه كلما اقتربت نهاية الدنيا كملت هذه الدنيا".

إن خط سير الدلالات القرآنية والآيات العلمية، مثل مسار العلوم الحديثة... في تحليل الداعية غولن الذي يقول: "سيأتي يوم يهتدي فيه كبار علماء الغرب الذين يبحثون عن أسرار العلوم وحقائقها عندما يفهمون القرآن حق الفهم، ولا يملكون أنفسهم من السجود لله، وستهتف الإنسانية: ما أعظمك يارب!". ولا يضيف الداعية غولن للأسف أي جديد في فهم الآيات والسور القرآنية والتفاسير التي لا حصر لها، بل يأتي كالعادة بالشكوى المعروفة وسط الدعاة من أننا "لا نفهم حتى الآن القرآن الكريم".

ويشمل عدم الفهم الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فيقول: "وضع القرآن الكريم أفضل نظام اجتماعي لأفضل مجتمع قبل أربعة عشر قرنا، ولكننا لم نفهم نحن هذا بعد، لذا لم نستطع شرح هذه الوجهة الاجتماعية للقرآن كما يجب أمام المبادئ الأخرى من رأسمالية وشيوعية وفاشية وليبرالية. نحن لم نقصر فقط في فهم القرآن من ناحية المسائل الاجتماعية، بل لم نفهم كذلك المسائل الأخرى له فيما يتعلق بالحياة الإنسانية. ووظيفتنا الآن ومهمتنا هي القيام بشرح كل هذه المسائل وتقديمها كوصفة علاج لأمراض الإنسانية وأدوائها.

وعندما نقوم بهذا بإذن الله تعالى سيبدو واضحا كيف أن القرآن الكريم آت من نبع عميق، قد لا يتم حدس وحرز مبلغ هذا العمق ظاهريا، ولكن سيرى الجميع كم من حقيقة علمية موجودة فيه".

(أسئلة العصر المحيرة، ص83).

من يحمي المجددين؟

ولكن متى سيقوم المسلمون كما يقترح الداعية "بشرح كل هذه المسائل وتقديمها كوصفة علاج لأمراض الإنسانية وأدوائها"؟ ومن يتجرأ وسط الأوضاع العربية والإسلامية الحالية، والقوانين التي تحاصر الثقافة الإسلامية وتفسير القرآن والحديث، فيزعم أنه بات يفهم مقاصد الآيات والأحاديث، وأن فهمه هو "الصحيح الواجب الاتباع"؟

ثم هل يجوز عقلا أن تكون كل هذه النصوص الدينية هدفها هداية الإنسان ومعرفة جادة الحق، وتبقى عصية على الفهم الإنساني؟ ألا توجد إذاً مشكلة حقيقية في ثقافتنا الإسلامية "وغموض نصوصها"؟ ألا تستدعي صعوبة فهم القرآن الكريم وتعدد تفاسيره والاختلاف في تبيان مقاصده إذاً، وجوب التوسع في حرية فهمه وتنوع الآراء والاجتهادات من كل التيارات في العالم العربي والإسلامي، ما دام معظم الإسلاميين يقرون بصعوبة فهم كل مقاصد القرآن، أو عدم فهم بعض الآيات؟ ولماذا التهجم على بعض المحاولات والتفاسير، وتوجيه أقسى التهم لأصحاب المحاولات؟

تخريب العالم الإسلامي

ينتقل الداعية "غولن" إلى نقد تجارب المسلمين في مجال تبني مختلف الأنظمة، ولكن يرى أن هذا التخبط مفيد في الواقع في مجال فهم القرآن الكريم!

يقول غولن: "نحن لم نستطع حتى الآن حل مسائلنا الاقتصادية، وعندما نرى أن نظاما اقتصاديا معينا وضع بالأمس قد أدى إلى مشكلات ومصائب تركناه وركضنا وراء نظام آخر صائحين: "لن يتقدم البلد إلا بهذا النظام". وعندما نطبقه نرى جيشا من الفقراء المظلومين والبوساء أمام عدد قليل من الأغنياء، وهكذا تتغير الأنظمة ونكون لعبة في يد هذه الأنظمة، وعندما يتم تناول القرآن الكريم من جديد نرى كيف نفهم أشياء جديدة وجيدة، وكيف أن شبابه يتجدد بتجدد العلوم وتقدمها بمرور الزمن، وكيف يبدو وكأنه نزل توا ومع أنه لم يتم حتى الآن بحوث عميقة وجدية حول القرآن في أيامنا هذه، إلا أننا- بعقولنا القاصرة وبقلوبنا الضيقة التي لا تتسع للحقائق الكبيرة- ننذهل أحيانا مما نفهمه من القرآن فنضطر إلى القول: "كلا، لا يستطيع البشر قول شيء من هذا القبيل". (ص83).

هل مفهوم «العلم» واحد؟

وهذا بالطبع وعظ جميل وأفكار دينية عاطفية يؤمن بها ويرددها الكثيرون، غير أن الفقرة أعلاه تتضمن مبدأ في تفسير آيات القرآن لن يتفق عليه المفسرون، ولن يصلوا إلى الاستنتاجات نفسها فيه.

فالداعية "غولن" يجعل البحوث والتطبيقات العلمية، وتشمل بالطبع علوم الفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء، أداة في فهم مرامي الآيات القرآنية والنصوص الدينية، فهل المفسرون مجمعون على هذا "التفسير العلمي"؟ وهل تعريف "الفضاء" Space مثلا، في كتب العلوم الحديثة، مثل تعريف القرآن الكريم وكتب وأحاديث الصحاح للسموات والأرضين السبع؟ وهل القلب أداة العاطفة والتفكير لدى الإنسان داخل صدره، أم العقل والدماغ داخل الجمجمة؟ وهل تعريف ماهية الشهب والنيازك وسبب احتراقها وهي تدخل الغلاف الجوي، كما تقول الكتب العلمية الفلكية مثلا، هو نفسه الذي تؤكده الآيات القرآنية ويجمع عليه المفسرون منذ أن ظهر الإسلام، من أن هذه الشهب رجوم للشياطين؟ وهكذا! وماذا إن ظهر منهج جديد في فهم العلوم وتحليلها، وتبدلت المفاهيم والنظريات، فهل يستتبع ذلك كما هو متوقع فهم جديد لآيات القرآن؟

ورأينا الداعية "غولن" يقول في الاقتباس السابق نفسه إنه "لم تتم حتى الآن بحوث عميقة وجدية حول القرآن في أيامنا هذه"، فهل الداعية ومن حوله على استعداد للإيمان بنتائج هذه البحوث حتى إن لم تكن متطابقة مع ما يؤمنون به وما درجوا على ترديده؟

أين الحرية في البحوث القرآنية؟

وإذا كان القرآن الكريم محور العقيدة الإسلامية وأم الكتب لدى المسلمين، فكيف لا يتوصل إلى أسراره إلا غير المسلمين؟ ومتى يأتي دور المسلمين رغم مرور هذه القرون، في فهمه وتفسير غوامضه؟ ولماذا يكون مصير فهم المسلمين للكتاب معلقا بمصير "البحث العلمي" الذي لن يتوقف، والذي يتشعب ويتنوع ويتعمق وغير ذلك؟

وإذا كان العلم يفسر القرآن والحديث، وفهم القرآن والحديث بدوره مرتهن بالكلمة الأخيرة للعلم، فلمن الكلمة الختامية في فهم الظواهر الكونية وأصل الإنسان وخلق الجنين وغير ذلك؟ ألا يعني ذلك أن المسلمين وعموم البشرية لن يفهموا أبدا الآيات والأحاديث ما دامت الجامعات في الغرب والمراكز العلمية في الولايات المتحدة واليابان ونيوزيلندا تعمل بنشاط، وما بقي البحث العلمي عالميا في تطور أبدي؟!

فهل يظل فهم المسلم لكتابه ونصوصه ناقصا، قاصرا، مضطربا، في كل المراحل والأزمنة القادمة؛ ما لم تتداركه رحمة الله؟!

مواعظ إسلامية لنساء هولنديات

لا تخلو مقالات "فتح الله غولن" ومواعظه من الإشادة بتسامح الغرب مع انتشار الإسلام، وقبول المسيحيين في ألمانيا وهولندا وأميركا الاستماع إلى دعوة الإسلام وقراءة القرآن وقبول الدين الجديد.

يقول عن جهود نشر الإسلام في أوروبا: "بالأمس تفرجت على شريط لمحاضرة ألقيت هناك، كانت المحاضرة باللغة الألمانية، ومع أنني لا أعرف الألمانية إلا أن المنظر أمامي كان يقول لي الكثير، وكنت قبل مدة وجيزة في مقبرة في مدينة برلين. أحسست أن ركبتيّ لا تحملانني، قلت متضرعا: "رحماك يا رب! لم نستطع أن نوصل اسمك الجليل إلى هنا..."، والآن عندما شاهدت شريط الفيديو هذا غمرتني مشاعر فوارة... المكان كنيسة في هولندا والمحاضر شاب مسلم، والقس جالس يستمع والنساء الهولنديات المسلمات والمحجبات جالسات يستمعن إليه ويسألنه بشوق وهو يجيب، ونساء لم يسلمن بعد يشاركن في السؤال، "والحقيقة أنني عاجز عن وصف مشاعري، غير أنه يجب ألا ننسى أن كل هذه الأمور ليست إلا فعاليات تؤدى من قبل هواة وهي لا تكفي أبدا. هذه الجهود تعد خطوة في مضمار الخدمة الإسلامية، ولكنها ليست الخدمة ذاتها". (ص117-118).

(يتبع غداً)

back to top