فشل «الصوت الواحد»
إن الوقت ليس في مصلحة إعادة تجارب فاشلة وأجهزة شكلية ضررها على الوطن والناس أكثر من نفعها، فالمنطقة تغلي والاقتصاد العالمي يواجه أزمة خانقة، وأسعار النفط تتهاوى، وهناك إعادة ترتيب لخريطة المنطقة، والقضية أعقد من حصرها في عملية المشاركة في انتخابات لن يترتب عليها أي تغيير في الواقع السيئ.
الاعتراف بالمشكلة هو الخطوة الأولى باتجاه حلها، فالإنكار والمكابرة لا يؤديان إلا إلى تفاقمها وتعقيدها وارتفاع تكاليف حلها. لقد أدى عدم قبول النظام الدستوري الديمقراطي الحقيقي، منذ البداية، إلى عدم تطوير الحياة السياسية وتنظيمها على أسس وطنية ديمقراطية، علاوة على حل مجالس الأمة بشكل متكرر منذ بداية العهد الدستوري على الرغم من أن الحكومة لديها دائماً أغلبية مريحة في المجلس نظراً لأن الوزراء أعضاء بحكم مناصبهم، فضلاً عما يُسمى «أعضاء الحكومة»، وهم الأعضاء الذين تساعدهم الحكومة بطرق وأساليب مختلفة بات يعرفها الجميع، في الوصول إلى المجلس. عدم الالتزام بقواعد النظام الديمقراطي الحقيقي جعل الحكومة تنفرد عام 2012 بإقرار قانون انتخابي جديد (الصوت الواحد)، وهو نظام فريد من نوعه على مستوى العالم وغير عادل، حيث إن الصوت الواحد المعمول فيه عالمياً يكون لانتخاب عضو واحد يُمثّل الدائرة الانتخابية، أو التصويت لقائمة على أساس التمثيل النسبي. أضف إلى ذلك أنه من المعروف أن الحكومة، في الأنظمة الديمقراطية، لا تُحدد الطريقة التي يصل فيها الأعضاء للبرلمان، أي النظام الانتخابي، فذلك يتقرر إما عن طريق مجلس تأسيسي أو عن طريق التصويت الحُرّ في مجلس منتخب.
على أية حال، فإنه من الواضح أن القانون الانتخابي الجديد (نظام الصوت الواحد) قد فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف التي أعلنتها الحكومة عندما انفردت بإقراره، بالرغم من أنه أنتج مجلساً صديقاً للحكومة كانت تشيد بتعاونه معها على الدوام، والمطلوب الآن هو الاعتراف بذلك، واتخاذ خطوات عملية من أجل إصلاح النظام الانتخابي على أسس عادلة، ثم تنظيم العمل السياسي وإشهاره كي لا يستمر تراجعنا الديمقراطي ويتسيد الساحة السياسية، ثم يصل إلى المجلس، كما هو الواقع الحالي، أفرادٌ لم يمارسوا العمل السياسي في حياتهم، ولا يعرفوا ماهيته وأصوله، إذ لا يحملون سِوى نياتهم الصادقة التي لا قيمة لها في الممارسة العملية والعمل السياسي، أو تصل لسلطة اتخاذ القرار مجاميع طائفية وقبلية وفئوية وعناصر انتهازية لا تبحث إلا عن مصالحها الخاصة على حساب هموم الناس ومشاكلهم العامة، والقضايا الوطنية المشتركة.إن الوقت ليس في مصلحة إعادة تجارب فاشلة وأجهزة شكلية ضررها على الوطن والناس أكثر من نفعها، فالمنطقة تغلي والاقتصاد العالمي يواجه أزمة خانقة، وأسعار النفط تتهاوى، وهناك إعادة ترتيب لخريطة المنطقة، والقضية أعقد من حصرها في عملية المشاركة في انتخابات لن يترتب عليها أي تغيير في الواقع السيئ حتى لو بلغت نسبة المشاركة مئة في المئة، بل إنها ستُكرّس وضعاً سياسياً مُشوّهاً، ونظاما انتخابيا متخلفا وغير عادل، سبق أن قال الناس رأيهم فيه في ما يشبه الاستفتاء، وأثبتت التجربة فشله الذريع.بكلمات أخرى، إن المطلوب، مثلما ذكرنا غير مرّة، هو مشروع دولة مدنيّة ديمقراطية حديثة، وإصلاح سياسي وديمقراطي جذري، وانفراج سياسي، فحلّ المجلس والحكومة، مثلما حدث مرات كثيرة من قبل، لن يحل الأزمة السياسية التي أنهكت الوطن وأرهقت المواطنين. إن استمرار النهج السياسي ذاته، والعمل بالنظام الانتخابي المُشوه وغير العادل، فضلاً عن فوضى العمل السياسي، لا يؤدي كل ذلك إلا إلى التراجع الديمقراطي، ثم استمرار الدوران في حلقة مُفرغة، وإعادة إنتاج الأزمة السياسية بطرق وأشكال مختلفة، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى قوة الجبهة الداخلية وتماسكها على أسس وطنية سليمة، والتقدم إلى الأمام بخطوات دستورية ديمقراطية واثقة.