زفَّت الإدارة الأميركية "البشرى" للذين ينتظرون حسم معركة الموصل في أيام معدودات وفي فترة قصيرة، بأن هزيمة "داعش" ليست سهلة، وأن الأمر يتطلب وقتاً طويلاً لا يمكن تحديده مسبقاً، وهذا يعني أنه ستكون هناك عملية استنزاف طويلة قد تعطي هذا التنظيم الإرهابي المزيد من الوقت لإعادة ترتيب صفوفه، وتجديد استعداداته، ليقوم بهجوم معاكس، سواء في العراق أو في سورية، لتحقيق مكاسب على الأرض تجعله يكرس نفسه مجدداً كرقم رئيسي وأساسي في هذه المنطقة الملتهبة التي دخلت ما يمكن اعتباره صراع المعسكرات، وعلى غرار ما كانت عليه الأمور في عقود سنوات الحرب الباردة.

وأغلب الظن أن الإدارة الأميركية عندما تصل إلى هذا الاستنتاج مبكراً، وفي الساعات الأولى من بدء ما يعتبر "تحريراً" للموصل، فإنها لا تشكو من قلة الأسلحة ولا الذخائر ولا المقاتلين ولا الأخذ بعين الاعتبار إمكانية صمود "داعش" فترة طويلة غير متوقعة، بل لأن هناك "تداخلات" إقليمية لا تريد لهذا التنظيم الإرهابي أن ينتهي، ويبقى يشكل حجة لاستهداف الذين يرفضون التمدد الإيراني والهيمنة الروسية في هذه المنطقة على أساس قومي - عربي، سواء أكانوا شيعة أم سنة!

Ad

إن هناك الآن، وخلافاً "لتطمينات" حيدر العبادي، محاصصة إقليمية في حرب الموصل، فالإيرانيون من خلال "الحشد الشعبي" وباقي التشكيلات المذهبية والطائفية التابعة لهم مباشرة لهم حصتهم، وتركيا من خلال ميليشيات أثيل النجيفي لها حصتها، وبالطبع فإن "الأشقاء" الأكراد لهم حصة مجزية، لذلك ولأن المعروف أن كل جهة من هذه الجهات إما أنها محسوبة على الروس أو محسوبة على الأميركيين، فإن هذا يعني أن ما صدر عن الإدارة الأميركية بالنسبة لعدم حسم المعركة في فترة قريبة يعكس واقع الحال، وربما أنه غير مستبعد أن بعض الأطراف تريد لهذه المواجهة أن تطول، وتريد لهذا التنظيم الإرهابي أن يصمد ويواصل الصمود لأطول فترة ممكنة.

كان الروس أصروا، ومازالوا يصرون، على أن الأولوية للقضاء على "داعش"، ثم بعد ذلك يتم الالتفات إلى بشار الأسد ونظامه، ولذلك ولأنهم يسعون إلى حل في سورية كالحل الذي فرضوه بالتدمير وبالحديد والنار في "غروزني"، العاصمة الشيشانية، فإنهم سيواصلون تعطيل وتأخير القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، ولذلك فإن الإدارة الأميركية بادرت، مع إطلاق أول رصاصة في حرب الموصل، فجر أمس الأول، إلى زف البشرى لكل من يهمهم القضاء على هذا التنظيم، ليتفرغوا لاستحقاق ما بعده، بأن هذه الحرب ستطول، وغير متوقع حسمها في فترة قريبة.

إذن فإنه ليس أمام المعنيين بحسم معركة الموصل للتفرغ لما بعدها إلا طلب العون والمساندة من العلي القدير، وإلا بالضغط على الأميركيين ليكونوا أكثر جدية، وألا يكتفوا بمجرد استخدام هذه المواجهة مع "داعش"، التي بادر إليها باراك أوباما مضطراً، لإسناد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وللرد على الجمهوريين الذين يتهمون الديمقراطيين بالتخاذل وبعدم الجدية في القضاء على ما يسمى "الدولة الإسلامية"!