أحبابنا السيئون هم عتبات قلوبنا للوصول لأحباب أجمل، فرغم أنهم سبب عطب قلوبنا، إلا أنهم كانوا درساً – وإن كان باهظ الثمن- لنتعلم كيف نحب قلوبنا بشكل أفضل، فلا نجعل هذا الدرس بلا قيمة، وألا ننثر في مهب الريح دفاتره التي كتبنا بحبر دموعنا أسطرها، حتى سُرقت أبصارنا، فإذا كنا فشلنا في الدرس الذي دفعنا من وجع قلوبنا الكثير ثمنا له في المرة الأولى، فنحن أحوج ما نكون لمراجعة ما خط أسانا في تلك الأوراق في المرة التي تليها، وإلا سنسمع دوي قلوبنا مرة تلو أخرى إلى أن نفقدها إلى الأبد.

صحيح أحبابنا السيئون كانوا درسا بحد السكين، وكانت سبورتهم أفئدتنا، وطباشيرهم لهب الجمر، إلا أن قسوة الدرس لن تمنعنا من أن نقطف أجمل ما في تجربتنا معهم، وهي ألا نكرر الخطأ مرة أخرى، وأن نحرّم على أنفسنا إهداء قلوبنا لأحباب يشبهونهم غداً، حتى وإن اختلفت الملامح.

Ad

قبل أن نوطّن أحبابنا السيئين قلوبنا لم نكن نعرف قيمة قلوبنا، كنا نقدّمها مع الورد لأي عابر حب، لم نكن نعرف قيمة دموعنا، كانت دموعنا تقف دائماً رغماً عنا على الأبوب المشرعة لأي كلمة في قصيدة أو أغنية تذكّرنا بنا، أو على ناصية أي نغم شجي يذكرنا بهم، أو في ركن قصة حب نراها أو نسمعها أو نقرأها يذكّرنا بمشاعرنا، ولم نكن نعرف قيمة القناديل التي جمعناها بنقاء النوايا وعلّقناها بين أضلعنا لتضيء لنا الدرب، فقد استنزفنا كثيراً من نورها القدسي بليالي السهر الحالكة التي قضيناها من أجلهم.

لم نكن نعرف حقاً قيمة تلك القناديل قبل أن نعرفهم، بل لم نكن نعرف قيمة العمر، ومعنى أن تهدر ماء العمر على "صورة" نخلة بأمل أن يسّاقط رطبها، كنا مع أحبابنا أولئك نظن أنّا نملك من كنز الأيام ما لا يحصى ولا يفنى، أعطيناهم من خزنة أيامنا بلا حساب، وكل كثير منها حسبناه قليلاً، وكان من الممكن أن يستمر ظننا هذا إلى أن يشاء الدرب، إلا أن رؤية قلوبنا نازفة من خنجر أحبابنا أيقظتنا حين بحثنا في خزنة أعمارنا عن أيام نستطبّ بها وضماد وجدنا أن خزنة العمر ليست ملأى بالأيام كما توهمنا، وأنّا أهدرنا مع كل "ضلالة نبض" جزءا من عمرٍ محدود، فكان الألم بحجم ذلك الجزء، وكان السؤال:

هل نُهدر ما تبقى من الخزنة صدقة جارية على ما فُقد منها؟! أم نتعلم مما فُقد كيفية استثمار ما تبقى فيها، لنسعد بقية العمر؟!

تعلّمنا من أحبابنا السيئين أن قلوبنا تستحق أحبابا أجمل منهم! هذا الدرس يجب ألا تذروه رياح الخيبة بهم، بل يجب أن نسارع لترميم قلوبنا من دونهم، لتصبح مهيأة وجميلة تليق باستقبال أولئك الأحباب الأجمل غدا، ولنتذكر جيداً أن أجمل هدية نقدمها لأحبابنا السيئين أن نشبههم، أن نكون مثلهم في الحب، أن "نُخَنْجر" قلوبنا مع سبق الإصرار والترصد لنطعن بها قلب حبيب!