فوائض ثم عجز فديون... فهل نخشى التعثر في السداد؟

• مخاطر تواجه التصنيف السيادي والمصارف وبيئة الاستثمار... وتقلص الإنفاق العام
• دول الخليج أصدرت 55 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الحالي

نشر في 20-10-2016
آخر تحديث 20-10-2016 | 00:05
محمد البغلي
محمد البغلي
القلق ليس من الاستدانة، ولا من الفوائد المترتبة على تسعير أي إصدار، بل من الاتجاه المنطقي لمسيرة «فوائض... عجز... ديون» والتي ستؤول إلى التعثر في السداد خلال السنوات المقبلة، إذا أُدير الدين العام بعقلية إدارة الفوائض المالية نفسها.
قبل أقل من 3 سنوات كان الحديث عن دخول ميزانية الكويت تحت طائلة العجز المالي ضرباً من المبالغة وسوداوية النظرة إلى المستقبل، في ظل برميل نفط قوي فوق سعر الـ 100 دولار وتسجيل فوائض سنوية تراكمية لا تقل عن 8 مليارات دينار سنوياً.

بيد أنه خلال أشهر قليلة، وتحديدا منذ منتصف عام 2014 أخذت الأوضاع المالية المريحة بالتحول الى مستويات متباينة من القلق، كلما تراجع سعر برميل النفط، حتى بلغ أدنى مستوياته في الربع الأول من العام الحالي عند 25 دولارا للبرميل، فدخلت الدولة التي تتمتع بالفوائض السنوية دائرة العجز المالي، ثم شرعت سريعا بالاتجاه نحو سوق الديون السيادية لتمويل متطلبات الميزانية السنوية... مما يطرح أكثر من تساؤل عن الخطوة الرابعة لسياسات مالية واقتصادية سارت سريعا في اتجاه "فوائض... عجز... ديون".

وتعرف الديون السيادية بأنها الديون المترتبة على الحكومات، وتتخذ شكل السندات وتطرح بالعملة المحلية على المستثمرين المحليين، أو بإصدار الحكومة سندات موجهة للمستثمرين في الخارج بعملة غير عملتها المحلية، والتي غالباً ما تكون عملة دولية مثل الدولار أو اليورو. وعادة يرتفع الطلب على الديون السيادية في زمن الطوارئ، كالحروب والكوارث الطبيعية والأزمات المالية، عندما تحتاج الحكومات إلى تمويلات سريعة لمواجهة الحالات الاستثنائية.

أداة تمويل

ومن المهم القول إن دخول سوق الديون بحد ذاته ليس نقيصة ولا عيبا لأي دولة في العالم، إذ إنه إحدى أدوات التمويل، وكذلك الامر نفسه مع عجز الميزانية العامة للدولة، خصوصا أن 60 في المئة من دول العالم تعاني العجز المالي، بل ويقوم عملها الأساسي على كيفية إدارة هذا الملف، لئلا تكبر كرة الثلج إلى أزمة اقتصادية - اجتماعية.

وبنظرة عامة على سوق أدوات الدين الخليجي -قبل طرح السعودية إصدارها أمس- نلاحظ نمو النشاط خلال النصف الأول من العام الحالي بدعم من الإصدارات السيادية، إذ بلغ إجماليها، حسب وكالة موديز، 55 مليار دولار، بينما بلغ إجمالي الإصدارات في العام الماضي بأكمله 74 مليار دولار. وقد سجل مخزون السندات القائمة في المنطقة أسرع وتيرة نمو له منذ 5 سنوات، مرتفعاً بنحو 24 في المئة في الربع الثاني من هذا العام، ليستقر عند 335 مليار دولار.

وارتفعت مبادلات مخاطر عدم السداد في الربع الثاني من العام الحالي لمعظم دول مجلس التعاون الخليجي، تماشياً مع تزايد التساؤلات بشأن الاستدامة المالية وضيق السيولة، وقد تسبب خفض تصنيفات معظم الاقتصادات في إثارة تحفظ المستثمرين وحذرهم. وكانت المصادر الرئيسية للقلق تتمثل في ضيق السيولة ومدى القدرة على تنفيذ الإصلاحات المالية.

الكويت في سوق الديون

والكويت دخلت سوق الديون مثلها مثل بقية دول الخليج، وأصدرت منذ بداية العام الحالي سندات من البنوك المحلية بقيمة ملياري دينار، وتستهدف اصدار سندات بـ 3 مليارات دينار من الاسواق الدولية، وهو اجراء من المتوقع ان يستمر محليا وإقيليما، خلال السنوات القليلة المقبلة، طالما ظل سوق النفط ضعيفا ويعاني فائض العرض، فضلاً عن النمو الضعيف في الاقتصاد العالمي وبروز سوق غير تقليدي كالنفط الصخري.

القلق هنا ليس من الاستدانة، ولا حتى الفوائد المترتبة على تسعير أي إصدار، بل من الاتجاه المنطقي لمسيرة "فوائض... عجز... ديون" والتي ستنتهي بالتعثر في السداد، خلال السنوات المقبلة، إذا كانت ادارة الدين العام بعقلية ادارة الفوائض المالية نفسها. وتتركز مخاطر هذا التعثر في اكثر من جانب، أولها تراجع التصنيف السيادي وآثاره على المصارف وبيئة الاستثمار، فضلاً عن تقلص الإنفاق العام لدولة مثل الكويت. وتشير التوقعات المستقبلية إلى تصاعد الطلب على سوق العمل (الذي يلتهم حاليا أكثر من نصف الميزانية) من 32 ألف فرصة عمل في العام الحالي إلى 44 ألفاً في عام 2025، فضلاً عن أوجه الصرف الأخرى في بنود الإنفاق العام.

وبالتالي، فإن الاستدانة أو حتى أي موارد مالية يمكن ان تنتج عن بيع أصول سيادية او تحويل ايرادات استثمار يجب أن توجه في الطريق الصحيح، عبر خلق مشاريع وكيانات استثمارية توفر للدولة عوائد مالية منتظمة وغير نفطية لتقليل انكشاف الإيرادات العامة على أسعار النفط، إلى جانب توفير فرص عمل في القطاع الخاص، كي لا يزداد الضغط على الميزانية ولا تحدث أزمة بطالة.

لا خطة

المطلع على ما يعتبر المشروع الحكومي للإصلاح المتمثل في خطة الإصلاح المالي والاقتصادي يشعر بمزيد من القلق من ناحية تعاطيها مع أزمات الاقتصاد، بل إنها تسرع في بلوغ المرحلة الرابعة (العجز عن السداد)، إذ إنها تخلو من إيجاد حلول لمعضلة إخفاق الدولة وإدارتها في كثير من الملفات، ولا تستطيع خلق أنشطة استثمارية متنوعة توفر إيرادات غير نفطية وفرص عمل، ولا تعيد التوازن إلى التركيبة السكانية، كما أن بها انحرافاً في إنفاق الميزانية العامة عن خطة التنمية، ولا ترفع نسبة الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، ولا تنوّع مصادر الدخل، بل إنها تركز على خطط أكبر بكثير من قدرة الإدارة العامة في التنفيذ، كخصخصة قطاعات استراتيجية في دولة ليس لديها اي تجارب حقيقية او عميقة في الخصخصة.

في سنوات ماضية، كان الاتكال على إيرادات نفطية بلا خطة او برنامج مقبولا او مسكوتا عنه، في ظل تحقيق عوائد مليارية تؤدي الى فوائض سنوية. أما اليوم، ومع اللجوء الى سوق الديون، فالأمر يحتوى على درجة معينة من المخاطرة لأن سوء ادارة الاموال هنا ستكون عواقبه وخيمة.

back to top